لم تمضِ 24 ساعة على الإفراج عن الشيخ هاشم منقارة، في خطوة وصفها أنصاره بأنها تبرئة له من تفجيري طرابلس، حتى انطلق سجال سياسي لا يتوقع أن يتوقف قريباً . سجال أخذ طابعاً أبعد الأنظار عن أسباب التوقيف، حتى كاد يحجبها

رُدّت يد الشيخ هاشم منقارة خائبة. لم تلق دعوته إلى الحوار آذاناً صاغية، لكن معظم الردود التي صدرت عن علماء طرابلس حياله شددت على صدق براءته. هكذا تفاعل قرار محكمة التمييز العسكرية الذي قضى بالإفراج عن رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الإسلامي الشيخ هاشم منقارة، ما يعني تبرئته من تهمة «كتم معلومات» التي وجهت إليه بخصوص جريمتي تفجير سيارتين مفخختين أمام مسجدي التقوى والسلام في طرابلس، في 23 آب الماضي.

تُرجم ذلك على شكل ردود فعل على المؤتمر الصحافي الذي عقده منقارة بعد إطلاق سراحه في مقر جبهة العمل الإسلامي في بيروت. أول الردود خرج على لسان عضو كتلة المستقبل النيابية النائب خالد ضاهر. دعوة الحوار التي أطلقها منقارة حوّلها الضاهر إلى سجال سياسي جعل قضية التفجيرين والضحايا تحل في مرتبة متأخرة. وكعادته ركب الرجل الموجة فاستحال الحوار نزالاً، لا يزال في بدايته، وقد يتفاعل على نحو أوسع مستقبلاً. وبدلاً من التركيز على كشف الجناة ومعالجة الجرحى والتعويض على الضحايا والبحث في سُبل الوقاية لمنع تكرار الجريمة مستقبلاً، صارت القضية تصفية حسابات سياسية بين الطرفين المتنازعين.

وبعيداً عن لغو الضاهر، برزت مواقف لافتة لكل من الشيخين بلال بارودي ونبيل رحيم. ورغم أن إمام مسجد السلام وشيخ القراء في طرابلس بارودي قد قال رداً على دعوة منقارة: «نحن لا نجلس مع القتلة. مفتي الجمهورية السورية أحمد بدر الدين حسون هو من يُشرّع القتل الذي يقوم به بشار الأسد، وهو المسؤول عن هيئة علماء بلاد الشام»، إلا أنه أردف قائلاً: «كان كلامنا إيجابياً تجاه هاشم منقارة، ولم نتّهمه لأننا نعرف تاريخه، والهدف من كلامنا هو أن يعود إلى رشده ويكُف عن الدفاع عن هؤلاء لأنهم يورّطونه، ولا قدّر الله لو صدّقنا أنه مشارك في الفتنة لكان أهله أول مَن قتلوه»، مؤكداً « أننا لا نمدّ يدنا إلى هيئة علماء الشام الذين يشرّعون ويبرّرون للمجرمين القتل في سوريا. في رأيي، عليه أن يمد يده إلى علماء طرابلس ويعود إلى أهله وتاريخه، ويعود إلى نضاله وإلى جهاده، وليتذكّر الأسباب التي بموجبها سُجن 14 سنة ظلماً في سوريا، وليتبرأ من هؤلاء القتلة الذين لا دين لهم».

وفي سياق إيجابي جاء كلام عضو «هيئة علماء المسلمين» الشيخ نبيل رحيّم الذي قال: «أنا دائماً لا أتسرّع في الأحكام على أحد، ومن خلال معرفتي بالشيخ هاشم أعلم أنه لا يمكن أن يتورط بأي مسألة فيها دم». وأضاف: «يمكن أن نختلف معه في أمور ثانية وعديدة، ولكن لا تصل القصة إلى إراقة الدماء أبداً، لذلك أنا قلت قناعتي فيه، وتبين أن قناعتي كانت في مكانها، والدليل أنَّ القضاء أخلى سبيله».

مصادر إسلامية متابعة رأت في مواقف منقارة التي أطلقها في مؤتمره «نقاطاً تسجل لمصلحته سياسياً، وأخرى ليست كذلك»، مشيرة إلى أن منقارة الذي «بات تحت الضوء حالياً بعد سنوات من التجاهل لوجوده ودوره، لن تمر مواقفه مما جرى معه بلا تداعيات». ورأت هذه المصادر أن منقارة «نجح في كسب نقاط سياسية وشعبية عندما استنكر الجريمتين ودعا إلى معاقبة مرتكب هذا العمل الإجرامي، الذي وصفه بالخسيس، كما أنه أحرج بعض المشايخ في طرابلس عندما شكرهم على مواقفهم، ومدّ لهم يده للحوار واللقاء، وحشر فرع المعلومات في الزاوية، عندما اتهمه بالتقاعس عن القيام بواجبه، بعدما وصلته معلومات عن احتمال قيام تفجيرات في طرابلس، ولم يتخذ احتياطات كافية لمنع وقوع الجريمتين»، لكن المصادر وصفت تنويه منقارة بحزب الله، وإشادته بالأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله ووصفه بـ «ملك متوج على رأس المقاومة في المنطقة»، بأنه «سقطة» استغلها خصومه، وشنوا عليه حملة شعواء في الشارع الطرابلسي، برزت بوضوح على مواقع التواصل الاجتماعي، وهم «نجحوا بها في ظل أجواء الاحتقان السياسي والمذهبي، وفي ظل تطورات الوضع في سوريا».

ولفتت المصادر إلى أن خصوم منقارة والتيار السياسي الذي يؤيده، استغلواهذه «السقطة» للنيل منه، مستندين إلى تاريخ الرجل وحركة التوحيد الإسلامي، التي كان أحد أبرز أركانها، أيام الحرب الأهلية في طرابلس في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي، و«عادوا بالذاكرة إلى أيام لم ينسها الطرابلسيون بعد من تلك الفترة».

لكن هذه المصادر أكدت في المقابل ثقتها ببراءة منقارة، وأنه «لا يمكن أبداً أن يرتكب جريمة كهذه، أو أن يكون على علم بها دون أن يبذل جهده من أجل منع وقوعها»، نافية في المقابل «ادعاءات البعض بأن حزب الله تدخل لإطلاق سراحه»، ولافتة إلى أنه «لو أراد الحزب أن يتدخل في قضايا كهذه لفعل ذلك في قضية ميشال سماحة».

كلّ هذه الأجواء كانت مخيّمة على المؤتمر الصحافي الذي عقده ضاهر في منزله بطرابلس قبل ظهر أمس، وأجّله مدة ساعتين، قبل أن يخرج بمواقف تصدّرها أولاً دفاعه عن فرع المعلومات، وتلاها هجوم على حزب الله والنظامين السوري والإيراني، ثم تناول بعد ذلك قضية التفجيرين. ورأى ضاهر أن «الأصوات التي تريد النيل من فرع المعلومات شاذة ومجرمة»، ورأى أن «منطقتنا تواجه مشروعاً إيرانياً خطيراً يسعى إلى الهيمنة على لبنان»، وأن «حزب الله عصابة إرهابية هدفها خدمة المشروع الإيراني، وأن الاسلوب التكفيري للنظامين الإيراني والسوري أصبح مكشوفاً». وأكد أن «ما يُسمى سلاح المقاومة أصبحت مهمته اليوم إرهاب اللبنانيين والمشاركة في قتلهم بالتعاون مع النظام السوري، الذي يقتل شعبه، وذلك سعياً إلى ضرب الاستقرار والأمن»، متهماً «شبكة ومنظومة إيرانية ـــ سورية تقدم حفنة من الأموال إلى جمعيات وشخصيات مقابل تأمين المعلومات عن الكوادر والناس والعلماء غير المؤيدين لسوريا»، مؤكداً «أنه عمل تجسسي برسم الأجهزة الأمنية»، ومتهماً «عملاء النظام السوري بأنهم مثل عملاء إسرائيل الذين يقتلون اللبنانيين»، داعياً إلى «محاسبة هؤلاء على جرائمهم».