إذا كان الغرب بمكوناته ومشاريعه المشبوهة يتحمل مسؤولية ما يجري في مدينة ​معلولا​ السورية التي وصفتها "​جبهة النصرة​" بـ"عاصمة الصليبيين"، وما حصل قبلها في فلسطين والعراق من تهجير للمسيحيين وما قد يحصل لاحقا لمسيحيي لبنان، فمن يتحمل مسؤولية افراغ الشرق من مسيحييه وتدمير حضارته الممتدة منذ القرون الوسطى؟

لعلّ ما يدفع لطرح هذا السؤال لا يعدو كونه الوقائع التي طالت هذا الشرق من العراق الذي كان تعداد مسيحييه يناهز المليونين عشية الاجتياح الاميركي وبات يعد الان اقل من مئة وخمسين الفا، وسوريا التي ارتفعت نسبة المسيحيين فيها العام 2010 اثنين في المئة لتشهد منذ بدء احداثها هجرة مسيحية تشبه الى حد بعيد تلك التي رافقت الاجتياح الاميركي للعراق، ولكن هذه المرة بسبب جبهة النصرة والاسلاميين المدعومين من بعض العرب والغرب، وذلك تأسيسا لخريطة الشرق الجديد الذي يريده الاميركيون خدمة لمشاريع مستقبلية كشف عنها تقرير اطلعت "النشرة" على مضمونه، وذلك بعلم من الدول الاوروبية لاسيما فرنسا الصامتة على مضض خدمة لمصالحها الاقتصادية المتوسطة المدى.

في السياق، يربط التقرير مسار الاحداث المستمرة في الشرق الاوسط منذ ثمانينات القرن الماضي بما تشهده سوريا راهنا، فيكشف عن دراسات جيوسياسية اجرتها مؤسسات يهودية متخصصة خلصت الى ان اسرائيل ستتعرض لخطر وجودي بكل معنى الكلمة في خلال اربعة او خمسة عقود اذا لم يسارع الغرب الى اعادة رسم خريطة جيوسياسية وديمغرافية جديدة، خصوصا ان نسبة التكاثر السكاني لدى دول الجوار تشكل اضعاف تلك المعروفة في اسرائيل، فضلا عن ان الثروات الطبيعية في المنطقة لا تتوزع بشكل متساو بل تميل بشكل نافر لمصلحة العرب والمسلمين، اضافة الى ان التعايش الاسلامي المسيحي في الشرق الاوسط يحول دون تثبيت فكرة الدولة اليهودية لدى الرأي العام العالمي، وبالتالي فان المطلوب اعادة تقسيم المنطقة لابعاد الخطر الديمغرافي عن الداخل الاسرائيلي باعتبار ان الارقام تؤكد انه في العام 2025 يتساوى عدد اليهود مع عدد العرب الاسرائيليين ما يعني ان السلطة يمكن ان تنتقل بصورة ديمقراطية. وبالنسبة للثروات الطبيعية فلا بد من الاستعاضة عنها بترسانة من السلاح توازن بين الرعب العسكري والاقتصادي بحسب التعبير المستخدم. وفي ما يختص بالدولة اليهودية فلا بد من اسقاط فكرة التعايش واستبدالها بصراع الحضارات من خلال حروب طائفية ومذهبية ومناكفات عرقية وسامية، وبالتالي التأسيس الى كيانات متناحرة تبعد الاخطار عن اسرائيل وتركز وجودها الى قرون وليس عقود كما كان الحال منذ تأسيس الدولة العبرية في العام 1948.

في الموازاة يشدد التقرير على ضرورة تعميق حالة التطرف الديني باعتبارها مدخلا الى ما يمكن وصفه بصراعات عقائدية مستديمة، على ان يستتبع ذلك حرب اقليمية مدروسة المدى ومحسوبة النتائج تؤسس الى شرذمة مراكز القوى وتبديد الثروات الطبيعية واستبدالها بالالة العسكرية وهذا لا يمكن الا في حال الخوف على المصير من قبل دول الجوار على ان يأتي الخوف من الداخل وليس من الخارج.

ويخلص التقرير الى الاشارة لضرورة اشعال الساحة الاردنية الداخلية لعدة اسباب يصفها بالوجيهة وهي ان ذلك يؤدي الى تعزيز قدرة الفلسطينيين واعادة وضعهم الى ما كان عليه بداية ستينات القرن الماضي ومن ثم اعادة الاتصال بين فلسطينيي الاردن من جهة وفلسطينيي الضفة من جهة ثانية في ما يشبه الفدرالية التي تؤسس الى تمدد فلسطيني باتجاه الاردن وهذا ما سيؤدي الى اعادة التوازن الديمغرافي.