رغم ما تتميز به فلسطين المحتلة التي شهدت ولادة يسوع المسيح بالعديد من المعالم الدينية المسيحية، كعشرات الكنائس والأديرة التي أقيمت في فترات مختلفة ومتتابعة من الزمن، ويحظى بعضها باهتمام كبير من قبل الكنيسة والجهات المعنية، يبقى العديد منها مهجورا او مهدّمًا، فيما تحتاج غيرها إلى إعادة ترميم وتتطلب توفير احتياجات أساسية ومالية لإعادة إحيائها، إذ إنّ ذلك يقع بالدرجة الأولى على كاهل الكنيسة التي تعيش ظروفاً ليست بالجيدة خصوصاً في فلسطين.

وفي مشهد مختلف عن غيره، لكنه بالأصل مشابه لواقع عدد من الأديرة المسيحية الموجودة في الأراضي المقدسة، يبرز دير القديس شربل الواقع في وادي معالي والقريب من كنيسة القديسة كاترينا بمدينة بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، أحد المعالم الدينية المهجورة منذ ثلاثة عشرة عاماً، وتفاصيله ومعالمه تظهر حجم الفصول التي تعاقبت عليه وترك فيها خالياً، إذ لا يوجد فيه أي راهب، فضلاً عن جدرانه التي كساها الغبار وزجاج نوافذه المكسورة وجرسه الذي لا يقرع انتهاءً بأبوابه المغلقة.

"النشرة" حاولت تسليط الضوء على أسباب هجرة هذا الدير، مع المسؤولين والمعنيين، ووقفت على الأسباب والتفاصيل التي أدت إلى هجرته.

سيعاد فتحه وسيحيا مجده قريباً

وفي هذا السياق، يؤكد سكرتير النيابة البطريركية المارونية في القدس المحتلة صبحي مخوّل أن الدير لم يهجر بمعنى الهجرة، أو لأسباب لها علاقة بالاحتلال الإسرائيلي، ولكن جرى إغلاقه بسبب إشكاليات إدارية داخلية حدثت تتعلق بالجهة التي تشرف عليه وتتبنى إدارته.

وفي حديث لـ"النشرة"، يوضح مخوّل أن هناك قرارا بإغلاق الدير تم اتخاذه من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، وبتنسيق وعلم كامل مع الكنيسة والسفير البابوي في القدس عام 2000 كي يتم حل المشكلة الموجودة، مشدداً في الوقت ذاته على أن الحل وفتح الدير سيكون قريباً وربما بداية الشهر المقبل.

ويشير مخوّل إلى أن الدير سيعاد إحياؤه وترميمه كما كان في السابق، لافتاً إلى أنه يعدّ معلماً مهماً، إذ إنّ دير القديس شربل اللبناني من أكبر القديسين الشرقيين في العالم، وله أهمية كبرى خصوصاً في مدينة بيت لحم مهد المسيح.

ويلفت مخوّل إلى نشاطاته الدائمة التي كانت تقام فيه، واستقباله الحجاج، إضافة إلى أنه استخدم لتدريس الطلبة الفلسطينيين من جامعة بيت لحم، الذين جاءوا من غزة ورام الله ولم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم، وإعطائهم الدروس بداخله، في الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي حدثت في 8 كانون الأول 1987، بعدما أغلقت قوات الاحتلال الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة.

ويكشف سكرتير البطريركية أن الرهبانية اللبنانية المارونية في لبنان قررت أن ترسل جهات الاختصاص إلى بيت لحم ليأخذوا على عاتقهم العمل من جديد على إعادة ترميم الدير وإنجازه ككل.

وتأسس دير القديس شربل عام 1983، ويتبع للطائفة المارونية في الأراضي المقدسة.

حاله كحال مئات الأديرة في فلسطين

"هناك ضرورة ملحة لدعم الكنائس في فلسطين"، هذا ما يؤكد عليه الأمين العام للهيئة الاسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى، الذي يشير إلى وجود أديرة بحاجة إلى مبالغ كبيرة لإعادة ترميمها والاهتمام بها، وفعلياً هذه المبالغ الكثيرة لا توجد لدى الطوائف المسيحية في فلسطين، التي ليس بوسعها أن تصرف على كنائس أو أديرة هدمت أو هجرت.

وفي حديث لـ"النشرة"، يوضح عيسى أن دير القديس شربل مثله مثل عشرات بل مئات الأديرة الموجودة في فلسطين، والتي تحتاج إلى اهتمام كبير وترميم وصيانة، ولكن لا توجد المبالغ الكافية لتحقيق ذلك.

ويحمّل عيسى المسؤولية عن هذه الأديرة للكنيسة، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك دعم خارجي أو من قبل السلطة الفلسطينية ووزارة السياحة للرعاية والاهتمام بهذه الأماكن الدينية الهامة.

ويرى الأمين العام للهيئة، أن إعادة فتح هذه الأديرة من جديد سينعكس بالإيجاب على دور العبادة، سيما وأن هذا تاريخ وعقيدة يجب المحافظة عليها، ومرتبطة بحياة المسيح والعقيدة المسيحية ككل.

ويوجد في فلسطين العديد من الكنائس والأديرة ودور العبارة، تتبع لثلاثة عشرة طائفة مسيحية.

حملة إلكترونية شبابية لإعادة ترميمه

من جهة ثانية، تحدثت "النشرة" مع أحد الشبان الفلسطينيين من مدينة بيت لحم والذي أكد أن هناك فكرة سترى النور قريباً تتلخص في قيام مجموعة شبابية بعمل تجمع شبابي لأجل إعادة ترميم هذا الدير من خلال حملة الكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى وجود داعمين من لبنان لهذا الدير الذي يتوقع أن يبدأ ترميمه قريباً.

في المحصلة، وبعيداً عن واقع الاحتلال الإسرائيلي الذي ينعكس بالسلب على حياة المسيحيين من مختلف الطوائف لما يمارسه من سياسات قمعية بحقهم في الأراضي المقدسة، يبقى من الواضح تماماً أن هناك ضرورة لإبعاد الأماكن المقدسة ودور العبادة عن أي خلافات إدارية أو غيرها، لما لها من أهمية دينية وتاريخية كبيرة في فلسطين، إلى جانب اهتمام الكنيسة وخصوصاً البطريركية المارونية بها والعمل على تفعيل سبل الدعم الخارجي لهذه الكنائس والأديرة.

للاطلاع على مزيد من صور دير القديس "شربل" في بيت لحماضغط هنا