منذ خمس سنوات يدور حديث عن خطة أمنية في طرابلس. لكن الخطة لم تبصر النور، ولا يتوقع لها ذلك قريباً. أسباب التعثر كثيرة، تبدأ بعدم توافق السياسيين، ولا تنتهي بـ«ظواهر» باتت خارج السيطرة

قبل أن يجفّ حبر البيان الذي صدر الخميس الماضي، بعد اللقاء السياسي ــــ الأمني الذي عُقد في السرايا الحكومية في شأن وضع خطة أمنية لعاصمة الشمال قبيل عيد الأضحى، كانت المدينة في الساعات الـ48 الماضية مسرحاً لفلتان أمني راح ضحيته قتلى وجرحى، ما جعل الاعتقاد بأنّ مصير الخطة الموعودة لن يكون أفضل من سابقاتها.

فمنذ أولى جولات الاشتباكات الـ16 التي اندلعت غداة أحداث 7 أيار 2008، لم تخل اللقاءات والاتصالات من الدعوة الى إقرار خطة أمنية في طرابلس لوضع حد للاقتتال الداخلي على المحور التقليدي بين باب التبانة وجبل محسن، الذي أودى منذ ذلك الحين بأكثر من 150 قتيلاً ونحو 1200 جريح. لكن كلّ مشاريع الخطط ذهبت أدراج الرياح. وزير الداخلية مروان شربل، عزا هذا الفشل، قبل اجتماع السرايا الأخير، إلى خلافات السياسيين في طرابلس. وهو لم يكشف سراً، إذ إنّ أغلب سكان المدينة يعرفون هذه الحقيقة، لكنها المرة الأولى التي يُصرّح فيها مسؤول رسمي بهذا الوضوح، بعدما صمّت آذان الطرابلسيين وهم يسمعون في كل مرة عن «دعم» السياسيين للقوى الأمنية و«رفعهم الغطاء عن كل مخلّ بالأمن». لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق. فالقوى الأمنية لم تلقَ سوى دعم كلامي من السياسيين، وهو ما أكده مصدر أمني رفيع لـ«الأخبار» بالقول إن هؤلاء «يقولون في العلن غير ما يضمرونه، ولا يتوانون عن انتقاد القوى الأمنية متى اتخذت أي إجراء يمسّ مصالحهم أو أزلامهم في الشارع».

يُضاف إلى ذلك ما تؤكده أيضاً أوساط سياسية عن أن الفلتان الأمني في السابق كان «مقصوداً ومبرمجاً»، بهدف «تعطيل» حركة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وشلّ دوره ودور الوزراء الذين يمثلون المدينة. وتساءلت في هذا السياق: «كيف يمكن تفسير اندلاع 11 جولة اشتباكات من أصل 16 في عهد حكومة ميقاتي، ثم توقف هذه الجولات بقدرة قادر بعد تقديمه استقالته؟».

وتؤكد الأوساط نفسها أنّ لخلافات السياسيين أيضاً «دوراً فعّالاً في انفلات الوضع الأمني؛ لأن كلّ طرف يستقوي بمجموعة من الأنصار والمسلحين، كبُر حجمها أو صغُر، لمواجهة خصومه وحتى حلفائه، انطلاقاً من مصالح انتخابية ضيّقة».

غير أن كل هذه الحسابات باتت، مع مرور الوقت، في حاجة إلى مراجعة؛ لأن بعض المسلحين الممسكين بالأرض صارت لهم حسابات مختلفة، بعدما أصبحت لأغلبيتهم حيثية ومصالح ونفوذ، وأصبح لقادة المحاور وقبضايات الأحياء «كلمة» تتقدم أحياناً «كلمة» بعض السياسيين.

أحد مسؤولي المجموعات المسلحة في طرابلس أقرّ لـ«الأخبار» بأنه يتعاون «مع أكثر من جهة سياسية» في المدينة، وأنه يلقى «دعماً سياسياً ومالياً من مصادر متناقضة»، وأقرّ أيضاً بأنه يتعاون مع أكثر من جهاز أمني، مؤكداً أن «أغلب المجموعات المسلحة في طرابلس تقوم بما أقوم به!».

ومع التعقيد الذي بدأ يرافق صورة الوضع الأمني المنفلت في طرابلس، برزت القوى السلفية كجهة ذات تأثير، وأصبح لبعض المشايخ «موقع» و«دور» يقارب مواقع السياسيين وأدوارهم، وخصوصاً الشيخين سالم الرافعي وحسام الصباغ. وتؤكد هذه القوى أنها غير محسوبة على فريق سياسي معين، وتحديداً 14 آذار، برغم تقاربها سياسياً معه في المواقف إزاء بعض الملفات الداخلية والإقليمية.

وزاد من هاجس هذا التأثير تزايد توافد النازحين السوريين إلى لبنان، واختيارهم طرابلس والشمال «وجهة مفضلة»، وسط مخاوف من أن تتسلل تحت غطاء النازحين عناصر أصولية متطرفة «تخربط» الوضع الأمني برمته إذا تدخلت في الصراعات المحلية، أو إذا ما جُرَّت إلى المستنقع الداخلي، لأن لها «أجندتها» الخاصة.

وسط هذه الأجواء من الاضطراب في الرؤية لإيجاد الحلول للأزمات أو تفادي ما هو مقبل منها، أوضحت مصادر سياسية لـ«الأخبار» أن «كلّ ما يجري الإعداد له كلامياً في طرابلس والحديث عن خطة أمنية هو فقاعة صابون، ولا تنطلق من مبادرة راسخة». وأوضحت أن الحراك السياسي ــــ الأمني في طرابلس «يشبه مرض الغيرة. فعندما قام حزب الله بخطوات الأمن الذاتي في مناطق نفوذه بعد انفجاري بئر العبد والرويس، خرج في طرابلس من يدعو إلى نظير ذلك بعد انفجاري مسجدي التقوى والسلام، وعندما بدأت القوى الأمنية تنفيذ خطة أمنية في الضاحية، شرعوا بالمطالبة بمثلها في طرابلس، بعدما شعروا بأن خطوات الأمن الذاتي قد أرهقت كاهل حزب الله، فكيف الحال بالنسبة إليهم؟».

لكن الأوساط لفتت إلى أن في الضاحية طرفين: أمل وحزب الله، «يتعاونان وينسقان مع الأجهزة الأمنية، ما يجعل حظوظ نجاح الخطة الأمنية أكبر»، وسألت: «في طرابلس من ينسق مع القوى الأمنية في ظل عدم الثقة، وأحياناً المواجهة الصامتة، بين القوى السياسية فيها، ومن يضبط إيقاع قوى ترفع شعار إلغاء الآخر سياسياً ووجودياً؟».

ميقاتي لاستيعاب المسلحين في قوى الأمن

أعلن رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي انه بحث مع وزير الداخلية والبلديات مروان شربل «في إمكان إنخراط المسلحين ضمن مؤسسة قوى الأمن الداخلي، على غرار ما حصل مع الميليشيات بعد الحرب، لا سيما أن هناك دورة قريبة لتطويع الفي عنصر في قوى الأمن». وقال في دردشة مع الصحافيين في منزله في طرابلس اول من أمس: «نحن على إستعداد لمساعدة هؤلاء الشباب في ايجاد فرص عمل، إذا كانوا فعلا مقتنعين بالالتزام بسقف الدولة ومرجعيتها، وهذا الأمر يتماشى مع روحية الخطة الأمنية التي يجري العمل عليها». وشدد على «أن جميع السياسيين في طرابلس متفقون على ضبط الوضع الأمني في المدينة، وعلى اهمية تسريع المشاريع الانمائية التي توفر فرص عمل للطرابلسيين».