كان مُقدّراً للخطة الأمنية المرتقبة في طرابلس أن تطغى على المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، في مقر وزارته أمس، نظراً لحضور قادة الأجهزة الأمنية المعنية بالخطة اجتماعاً بهذا الخصوص. لكن المفاجأة أن شربل تناول الخطة بشكل عمومي، فيما حظي موضوع كفّ يد قوى الأمن الداخلي عن متابعة مخالفات البناء بحيّز مهم من المؤتمر.

الخطة التي أقرّها اجتماع سياسي ــ أمني عُقد الأسبوع الماضي في السرايا الحكومية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، وحضور وزراء عاصمة الشمال ونوابها وقادة الأجهزة الأمنية، بقيت «بلا عنوان»، ولم يكشف شربل عن تفاصيلها التي قال إنه سيُطلع ميقاتي عليها. لكنه أشار بطريقة غير مباشرة الى الصعوبات التي تعترض تنفيذها. فبعدما حمّل سابقاً القوى السياسية في طرابلس مسؤولية عدم تطبيق الخطط الأمنية السابقة، حمّل أمس مسلحي الشوارع مسبقاً مسؤولية الفشل، اذ تساءل: «كيف نطبّق خطة أمنية في طرابلس وعلى بعد 100 متر من حاجز للجيش يتقاتل أبناء باب التبانة وجبل محسن؟ (...) وكيف نصلح زجاجاً مكسوراً في بيت ما، وصاحب البيت يحمل سلاحاً في الشارع وسيكسره مجدداً بعد إصلاحه إذا اندلعت اشتباكات؟».

تحميل مسؤولية الفشل مسبقاً، تارة للسياسيين وأخرى للمسلحين، أعطى انطباعاً بأن الخطة الموعودة لن ترى النور قريباً، رغم بروز مخاوف كبيرة مؤخراً من تجدد دائرة الاشتباكات والعنف. فقد كشف مصدر أمني لـ «الأخبار» أن «الأجواء كانت مهيأة السبت الماضي لاندلاع جولة اشتباكات جديدة على محور باب التبانة وجبل محسن، بعد تبادل رصاص القنص على مختلف جبهات القتال التقليدية التي سادها توتر شديد، لكن المساعي والاتصالات التي بذلت، وتكثيف الجيش تحركه على الأرض، منعا الوضع الأمني من الانفجار». وحذّر المصدر الأمني من احتمال انفجار أمني في المدينة «إذا لم يجر تحصين الساحة الداخلية فيها، ونزع فتائل التوتر منها»، لافتاً الى أن «المعركة التي يجري التحضير لها في ريف دمشق قرب الحدود اللبنانية، بين الجيش السوري ومعارضيه، ستنعكس لا محالة على الداخل اللبناني إذا بقيت أجواء التوتر قائمة».

تداعيات الأزمة السورية على لبنان، وتحديداً مدينة طرابلس، أمر يؤكّده وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال فيصل كرامي، الذي أوضح لـ «الأخبار» أن «كل ما يحصل عندنا حالياً من توتر أمني هو نتيجة الأحداث الجارية في سوريا، وللأسف، ترى الدولة الانزلاق الخطير للوضع الأمني في طرابلس، ولا تتدخل لمعالجته». وجدّد كرامي المطالبة بخطة أمنية لطرابلس على غرار ما حصل في صيدا والضاحية الجنوبية وبعلبك «من دون زيادة أو نقصان»، متسائلاً: «لماذا ينجحون في تطبيق الخطط الأمنية هناك ويفشلون هنا؟»، لافتاً الى أن المدينة «متروكة لقدرها ومصيرها كتنفيسة لما يجري في لبنان كله، فيما تحضر الدول بخجل، وتحوّلت القوى الأمنية إلى ما يشبه قوات فصل بين المسلحين».

وسأل كرامي: «كيف هدأت فجأة جبهة باب التبانة ــــ جبل محسن بينما انتقلت المعارك إلى كل طرابلس وبدت الأمور وكأنها صراع نفوذ بين أمراء الأحياء». ودعا وزير الداخلية والقوى الأمنية إلى «تطبيق الخطة الأمنية فوراً، لأنها تعرف جيداً كيف تعالج الأمور، وتقاعسها يطرح علامات استفهام كبيرة». وحذّر الوزير الطرابلسي من «انني لن أبقى ساكتاً إزاء الإهانات المتكرّرة التي يتعرّض لها أبناء مدينتي، وعندما أرى اقتصاد المدينة ينهار»، مؤكداً توافق السياسيين على تكليف الرئيس ميقاتي أن «يتحدث باسمنا في هذا الموضوع»، مؤكداً «رفع الغطاء عن كل المرتكبين وعدم حماية المسلحين».

وسأل كرامي وزير الداخلية: «كيف تعرف بوجود غطاء فوق رأس أحد المسلحين؟ قم بتجربة أولاً وأوقف المرتكبين. وإذا تدخل أحد من السياسيين فافضحه ولو كنت أنا شخصياً، وإذا ضبطت الوضع الأمني يكون المطلوب قد تحقق، لأن الدولة عندما تحزم أمرها». وذكّر كرامي شربل بأن طرابلس «عندما خُيّرت، بعد وقوع انفجاري مسجدي التقوى والسلام، بين الدولة والأمن الذاتي، لم تتردد بقضها وقضيضها عن التمسك بخيار الدولة».