كثرت في الأيام القليلة الماضية الأحاديث عن شتاء قارس لم يمر على لبنان والمنطقة مثله منذ مئة عام. خبر مر على البعض بسلام، وأسكن الرعب قلوب البعض الآخر. بدأ الأمر بعد أن نشر موقع "روسيا اليوم" مقالاً من صحيفة "دايلي مايل" تحدث عن هجوم للبرد القارس من القطب الشمالي خلال فصل الصيف، بحيث اكتست مساحة من المحيط المتجمد الشمالي تقدر بحوالي مليون ميل مربع بجليد جديد، وهذا يزيد عن مساحة السنة الماضية بنسبة 60 بالمئة. وأشار المقال إلى الذهول الموجود بين العلماء الذين توقعوا اختفاء طبقة الجليد من القطب الشمالي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في العالم، فبدل اختفاء الجليد غطى هذا العام مساحة تعادل نصف مساحة القارة الاوروبية. ولفت المقال إلى أنه جرت استنادا لهذه المعطيات الدعوة من قبل هيئة الامم المتحدة لعقد مؤتمر علمي لدراسة الموضوع، وكان رأي بعض العلماء بأنّ العالم يسير نحو بردٍ شامل لن ينتهي إلا في اواسط القرن الحالي.

الاقسى منذ مئة عام؟

بعد هذا المقال، ورد خبر منقول عن ​مصلحة الأرصاد الجوية​ الروسية التي كشف خبراء الطقس فيها أن منطقة غرب آسيا بما فيها (سوريا، لبنان وفلسطين) ستشهد فصل شتاء مبكر هذا العام يتخلله عواصف ثلجية قوية، متوقعة أن يكون الأقسى منذ 100 عام. كما حذرت الأرصاد الجوية الروسية سكان قارة اسيا من موجات برد قارسة وعواصف ثلجية، طالبة الاستعداد جيداً لفصل الشتاء الذي وصفته بـ"الشتاء الأبرد منذ قرن"، مؤكدة ضرورة التحضير والاستعداد منذ الآن لمواجهة البرد وغياب أشعة الشمس لفترات طويلة، وهو ما يناقض التوقعات لظاهرة الاحتباس الحراري. فما هي صحة هذه المعلومات؟

توقعات...

توقعات الحالة الجوية على المدى الطويل، أي أسابيع وأشهر، ليست دقيقة على الاطلاق، ولا يوجد أيّ جهاز في أيّ دولة قادر أن يعطي معلومات مؤكدة حول هذا الموضوع. هذا ما يجزمه رئيس دائرة التوقعات العامة في مصلحة الارصاد الجوية اللبنانية ​عبد الرحمن زواوي​، في حديث لـ"النشرة" ، مشيرا إلى وجود ملاحظات لعلماء الطقس يتحدثون فيها عن موجات قادمة من القطب الشمالي تضرب بحسب دوران الكرة الارضية شرق اوروبا وغرب آسيا، بدأت منذ العام الماضي، بحيث يمكن بالاعتماد عليها، إن صحّت، الحديث عن شتاء أقوى وصيف أخف لعشر سنوات قادمة، مشددا على أنّ هذا يبقى توقعا غير مؤكد.

ولفت زواوي إلى أنّ شتاء هذا العام بدأ مبكرا وهذا مما لا شك فيه، مشيراً أيضاً إلى أنّ الصيف الماضي لم يكن قاسيا ومن هنا يمكن دراسة درجات الحرارة الشتاء الماضي وما سبقه والصيف الماضي وما سبقه والبناء على المعطيات المتوافرة لوضع توقعات عن هذا العام. وقال: "إذا ما نظرنا إلى المعطيات المتوفرة لدينا يمكننا القول أنّ شتاء هذا العام سيكون على الأقل كشتاء العام الماضي".

فشلت التوقعات سابقا وقد تفشل مجددا

كلمة "توقعات" بحد ذاتها تعطي احتمال الخطأ والصواب، وبالتالي لا يمكن اعتبار التوقعات أمراً مؤكدا، والدليل بحسب زواوي هو توقع العلماء بذوبان جليد القطب الشمالي وارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ وهو ما لم يحصل، بل إنّ توقعاتهم أتت معاكسة للحال التي نحن عليها اليوم.

اذاً، لا يجوز أن نعيش حالة الخوف بناءً على توقعات من هنا وتحليلات من هناك، فتوقعات الأرصاد الجوية التي ترسم حسب معطيات ودراسات يمكن أن تصح ويمكن أن تفشل كما ثبت فشلها منذ فترة قريبة، فبعد أن اُشبعت شعوب الارض حديثا عن الاحتباس الحراري وعاشت خوفا من ارتفاع درجات الحرارة تبين اليوم أنّ كل تلك الأحاديث مجرد توقعات فشلت. اليوم من يتحدث عن شتاءٍ قاسٍ لم يمر منذ مئة عام هو يضع توقعا جديدا يحتمل الخطأ والصواب. ويبقى الاستعداد لمواجهة الشتاء أمراً ضرورياً مهما كانت التوقعات و"ما يأتي من الله ما أحلاه".

تقرير ​محمد علوش