حالة طوارئ أعلنها المجتمع المدني والبيئي في لبنان بعد أن وصلت الخطة الوطنية الشاملة لإدارة ​النفايات​ الصلبة إلى اللجان النيابية المشتركة لبحثها، بعد أن حولها نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل في 22 آذار الماضي، فتداعى للإجتماع للوقوف بوجهها لما تحمله من علامات استفهام ومن ترددات سلبية في حال أقرّت على ما تبقى من بيئة في لبنان وعلى صحة الناس.

وفي هذا الإطار، كشفت المستشارة في العلم الإقتصادي والإجتماعي البيئي فيفي كلاب أنه سيتم إطلاق "الحملة الوطنية لإدارة ​النفايات الصلبة​" خلال الاجتماع، متوقعة حضور "كل جمعية بيئية صادقة وكل معني عن حق وحقيقة في ملف البيئة".

الدولة لا تريد الحل؟

إنه إذاً إجتماع طارئ رافض لإقتراح الخطة الوطنية الشاملة التي تقضي بإنشاء 4 محارق على الساحل واثنتين في عكار وبعلبك، كوسيلة للتخلص من النفايات الصلبة في لبنان. واللافت أن أحد الأسباب الموجبة التي على أساسها أعدت هذه الخطة هي "عدم نجاح الخطة التي أقرها مجلس الوزراء في حزيران الـ2006 لعدم توفر المواقع المناسبة بالإضافة إلى رفض المجتمع الأهلي للمطامر الصحية على طراز الناعمة"، وذلك وفقاً للمستند الذي تقدم إلى اللجان المشتركة والذي حصلت "النشرة" على نسخة منه. إلا أنه، وفي المستند عينه، يتم التأكيد في البداية، على أن الإستراتيجية الجديدة لإدارة النفايات تستند إلى الخطة الصادرة عام 2006 إلى جانب الإستناد إلى قرار مجلس الوزراء عام 2010 الذي أقر اعتماد التفكك الحراري في المدن الكبرى. فكيف يمكن للخطة عينها أن تستند على خطة الـ2006 وأن تؤكد أن سبب إعدادها هو فشل إمكانية تطبيق تلك الخطة عينها؟ هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فإنه، ووفق مصادر مطلعة، لم يتم السعي حتى إلى تطبيق خطة الـ2006 التي، وفي حال طبقت، ما كان ليصدر عنها مطامر بحجم الناعمة لأنها كانت توجه فقط العوادم إلى المطامر وهي تشكل 5% فقط من النفايات اللبنانية.

وفي هذا الإطار، ترى فيفي كلاّب أن "الدولة لا تريد السير بخطة الـ2006 لأنها لا تجلب الأموال كالمحارق. فالدولة لا تريد اعتماد أي نهج لتخليص لبنان من مشكلة النفايات لأنها مشكلة سياسية بامتياز وفيها مال كثير"، معتبرة أن كل ما تم عرضه في السابق واليوم من مشاريع لإنشاء محارق ومطامر "كله فيه فساد سياسي مالي، ولو لم تكن الأبواب مشرعة في هذا البلد لكانت تحركت الجهات المسؤولة عن مساءلة من يكذب على الناس وفتحت كل هذه الملفات".

وتصف هذه الخطة المعروضة للبحث اليوم بأنها بمثابة "ضحك على الناس"، مشددة على أن "الحل الوحيد والصحيح يقضي بفرز المواد، وتسبيخ المواد العضوية، أما النفايات الصلبة المتبقية فيتم إعادة تدوير ما يمكن إعادة تدويره، أما النسبة المتبقية فيتم طمرها بعد التعقيم"، وحينها يكفي مطمر واحد للبنان إلى جانب مطامر عدة للتسبيخ (أي للنفايات العضوية) التي لا ينتج عنها المسموم ويمكن استعمال المواد الناتجة عنها لمكافحة التصحر وفي المجال الزراعي.

وتذكر بأنه، "عام 1992 منح البنك الدولي 55 مليون دولار لإنشاء مطامر صحية في لبنان، وبدأوا بالتسويق لها على أنها مفيدة ومريحة، فوقفنا بوجهها رغم أنهم دفعوا ملايين الدولارات للتسويق لذلك"، مشيرة إلى "أننا طالبنا ونطالب بالفرز والتسبيخ وإعادة التدوير والتعقيم ومن ثم الطمر".

وتشرح أنه، "عندما صدرت خطة الـ2010، تجمعنا من 85 جمعية ووقفنا ضد هذه الخطة التي نترحم عليها لأنها كانت تقضي بإنشاء محرقة واحدة لا كما هو الحال اليوم، وأسسنا التجمع اللبناني نحو صفر نفايات، فقدمنا اعتراضنا عليها ولم يتم متابعة الإعتراض في مجلس الوزراء رغم تقديم الحل وسبب رفض المحارق"، واصفة هذه الخطة التي تدرس اليوم بأنها "مشبوهة لأن أحداً لا يشتري سرطاناً مركزاً لرشه على الناس وعلى نفسه وأقربائه".

سم "مركز ومكثف"

وفق الدراسات العالمية، إن مادة الديوكسين الناتجة عن المحارق والتي لا يمكن في لبنان تحليلها بأي مختبر نظراً لغياب قدرة المختبرات المحلية على دراسة انبعاثها في الهواء، هي أهم مادة سرطانية. هذا فضلاً عن كون لبنان أحد البلدان التي وقعت على معاهدة ستوكهولم التي تشير إلى القضاء على كل مصادر انبعاث الديوكسين في العام 2025... فكيف يمكن للبنان التزام تعهده هذا من خلال المحارق؟

وتجدر الإشارة إلى أن شركة "رامبول" قد أوضحت في الدراسة التي أعدتها أنه "ينتج عن تنظيف مراكز التفكك الحراري 3% من الرماد، وهي مواد سامة ينبغي معالجتها وفق طرق خاصة قبل طمرها"، شارحة على سبيل المثال أنه "يتم ترحيل المواد السامة الناتجة عن مراكز التفكك الحراري في الدول الأوروبية إلى مطامر خاصة لهذا الغرض في ألمانيا أو النروج"، فكيف يمكن إذاً للبنان معالجة هذه المواد؟

وبالإضافة إلى ذلك، فإن محارق كثيرة أقفلت منها محرقة عاصمة الولايات المتحدة الأميركية واشنطن لأنها لم تصل إلى الكمية المسموحة من الديوكسين التي تبعثه في الجوّ. وكذلك الأمر في مدينة "نيو كاستل" في إنكلترا، حيث أقفلت المحرقة وتمت محاكمة رئيس مجلس المدينة لأن الرماد المتطاير منها أدى إلى تسمم الأطفال. كذلك أكبر محرقة في العالم في الفيليبين أقفلت لأنها لم تصل إلى الحد الأقصى المسموح به. وهنا، تشرح كلاّب أن "لائحة المحارق التي أقفلت في العالم باتت اليوم طويلة جداً".

أما لمن يعتبر اللجوء إلى هذه الخطة حلاً أفضل من المكبات العشوائية الموجودة اليوم، فتقول: "ألف مرة مكب عشوائي دون محارق، ففي المكب العشوائي، إذا تم رمي البلاستيك، فهذه المادة تحتاج إلى 300 سنة للتحلل، بينما من خلال المحارق يلخصون هذه الـ300 سنة بساعات قليلة فيقدمون السمّ كله للناس "مكثّف ومركّز". وتتابع: "يمكن على سبيل المثال أكل تفاح مرشوش ولكن أن يقولوا لنا ابتلعوا السم الذين نرشه على التفاح كما هو... فهذا غير مقبول".

المحارق والتفكيك الحراري هما إذاً أساس هذه الخطة، وذلك تحت حجة الوصول إلى إنتاج الطاقة من النفايات. ولكن، هل توازي قيمة الطاقة المنتجة، في حال انتجت فعلاً، قيمة المواد التي يخسرها لبنان نظراً لعدم اعتماده تقنيات إعادة التدوير؟ فمردود إعادة تصنيع هذه المواد قد يكون أكثر منفعة من حرقها بهذه الطريقة وإنتاج السموم لما لذلك من تأثير على الفاتورة الصحية التي سيتكبدها لبنان بالإضافة إلى كلفة استيراد المواد الأولية من بلاستيك وغيره بدلاً من إعادة تدويره.

وتجدر الإشارة إلى أن شركة "رامبول" التي تم إستشارتها قد اقترحت ثلاثة سيناريوهات للمحارق: "السيناريو الأول يتضمن ثلاثة مراكز للتفكك الحراري لخدمة ثلاث مناطق خدماتية، باستثناء المنطقة العائدة للبقاع وبعلبك والهرمل.

السيناريو الثاني يتضمن مركزين للتفكك الحراري يخدمان المناطق الخدماتية الثلاثة باستثناء المنطقة العائدة للبقاع وبعلبك والهرمل.

السيناريو الثالث يتضمن مركز واحد للتفكك الحراري يخدم منطقة خدماتية واحدة وهي محافظتي بيروت وجبل لبنان".

وفي مطلق الأحوال فقد اقترحت الشركة أن "يتم في الوقت الحاضر تلزيم مركز واحد للتفكك الحراري على أن يتم لاحقاً، وعلى مراحل متتالية، تلزيم المراكز الأخرى كونه ليس للدولة اللبنانية أية خبرة في مجال التفكك الحراري كما أفادت الدراسة بأنه من الصعب على الدولة بأن تقوم بإنشاء عدد من المراكز في آن واحد إن من ناحية التلزيم والتشغيل وإن من ناحية الإدارة والتمويل". إلا أن الخطة المقدّمة إقترحت إنشاء 4 مراكز للتفكك الحراري في كل من الزهراني، دير عمار، الكرنتينا والجية، بالإضافة إلى اثنين آخرين، رغم الصعوبات التي أشارت إليها الشركة المستشارة.

قد تكون هذه الخطة لمجرد إضاعة الوقت كما يتخوف البعض، إلا أن المجتمع المدني المعني بالشأن البيئي "سيتابع حتى النهاية ولن يسمح لها بأن تبصر النور أبداً"، بحسب ما تشدد عليه الدكتورة كلاّب.