وأخيراً، تحوّل عنوان "مخطوفي أعزاز" إلى "محرّري أعزاز"...

هي "الخاتمة السعيدة" التي انتظرها أهالي المخطوفين طويلاً، والتي انتظرها معهم كلّ اللبنانيين الذين تفاعلوا مع هذه القضية الإنسانية والوطنيّة أولاً وأخيراً، وقد أبصرت النور أخيراً، وبعد أن دخل على خطها لاعبون محليون وإقليميون ودوليون..

وإذا كانت "الخاتمة السعيدة" حملت معها كشف النقاب عن "أسرار" عن "معاناة" عاشها المحرّرون على مدى 530 يوماً من الخطف والتعذيب، فإنّ "المفاوضات" التي أدّت إليها حملت معها الكثير من "الأسرار" التي أعلن عرّابها المدير العام للأمن العام اللواء ​عباس ابراهيم​ أنها ستبقى معه حتى وفاته، بل ستُدفن معه أيضاً..

وفيما ستحفل الساعات المقبلة بـ"الروايات" التي لن يتّسع الوقت للمحرّرين لسردها كلّها ولو جمعوا الليل والنهار، إلا أنّ "الفرحة لم تكتمل"، بشهادتهم هم قبل غيرهم، طالما أنّ المطرانَين المخطوفَين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي لم يتنشّقا نسيم الحرّيّة بعد، وإن تشير المعلومات إلى أنّ قضيتهما باتت "على النار"، وتحت إدارة اللواء ابراهيم نفسه..

المخطوفون.. محرّرون!

يوم السبت لم يكن يوماً عادياً بالنسبة لأهالي ​المخطوفين اللبنانيين​ في سوريا، يومٌ كان فاصلاً بالنسبة لقضيّةٍ تخطّت كثيراً حدودها وهي التي انعكست على يوميّاتهم بكلّ تفاصيلها.

تباشير "الخاتمة السعيدة" كانت قد بدأت بالظهور منذ مساء الجمعة، مع إعلان خارجية قطر عن "وساطة" قامت بها وأفضت إلى "إطلاق" المخطوفين اللبنانيين، "بشرى" لم تُترجَم إلا بعد ظهر الجمعة، حين تولى وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال العميد مروان شربل إبلاغ الأهالي بأنّ "المحرّرين" سيصلون إلى بيروت بحدود السابعة مساءً.

لكنّ السابعة مساءً تحوّلت بفعل بعض "الأمور اللوجستية"، كما وُصِفت، والتي تبيّن في ما بعد أنّ لها علاقة بـ"التزامن" بين "تحليق" مخطوفي أعزاز من جهة والطيارَين التركيّين اللذين خُطفا في لبنان يوم عيد الفطر، إلى العاشرة والنصف مساءً. ساعاتٌ ثقيلة أقلعت فيها الطائرة عشرات المرات "افتراضياً" عبر الإعلام، وسُردت خلالها الكثير من "الروايات"، واستعادت العائلات ذكرى "يوم العار" الذي وُعِدت فيه بعودة المخطوفين وانتظرتهم في المطار دون أن يعود أحد.

لكنّ "السيناريو" كان هذه المرّة مختلفاً. وصل الطياران التركيان المخطوفان إلى مطار بيروت الدولي، لتقلع طائرتهما فوراً باتجاه الأراضي التركية، تزامناً مع إقلاع الطائرة التي أقلّت المحرّرين اللبنانيين من تركيا باتجاه بيروت. وبعد نحو ساعتين ونصف، حطّت الطائرة، فدقّت القلوب معها. "المحرّرون" وصلوا، وبدأوا سريعاً بسرد "معاناتهم" بل "مأساتهم" عند من وصفوا نفسهم يوماً بأنّهم "مضيفوهم". بدا التعب والإرهاق جلياً على ملامح وجههم، ليحتاروا سريعاً بين "العتب" على تقصير "أقرب المقرّبين" و"الشكر" لكلّ من ساهم في حلّ قضيتهم، فيما لجأ بعضهم لسرد "بعضٍ من فيض" ما عانوه، والتعذيب المعنوي والجسدي الذي كانوا يتعرّضون له...

"غموض" يكتنف "مصير" السوريّات

ما ظهر من "صفقة" الخاتمة السعيدة اقتصر إذاً على "التبادل" الذي تمّ بين المخطوفين اللبنانيين في سوريا والمخطوفَين التركيّين في لبنان، فيما لفّ الغموض مصير السيجنات السوريات اللواء كنّ جزءاً من "الصفقة" كما أعلِن مراراً وتكراراً، علماّ أنّ وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل أوضح أنّ ذلك لا يعني أنّ السوريين خارج الصفقة أو ما جرى التفاهم بشأنه، لافتاً إلى أنّ للسوريّين آليات عمل قضائية وإدارية ولوجستية أخرى، متحدّثاً عن لائحة جديدة دخلت على الخط في الأيام الأخيرة، وهم يعالجونها، ولذلك تأخّرت الإجراءات التي تعهّدوا بها وستنفّذ في حينه.

وبانتظار تبيان الخيط الأبيض من الأسود، هناك "أسرار" ستبقى مخبّأة عند "مالكها الحصري" اللواء عباس ابراهيم الذي أعلن أنه سيحفظها حتى وفاته بل أنها ستُدفن معه، مع تشديده في الوقت عينه على أنّ ما تمّ التفاهم بشأنه قد نُفّذ بحذافيره.

ورغم كلّ ذلك، أصرّ كلّ المعنيين على أنّ "الفرحة" تبقى "ناقصة" طالما أنّ المطرانَين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي لا يزال مخطوفَين، علماً أنّ اللواء ابراهيم كشف في حديث تلفزيوني عن وجود عمل عبر قناة سرية للغاية على خط تحرير المطرانين المخطوفين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي اللذين لا يزالان على قيد الحياة، فيما كشف وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال ​سليم جريصاتي​ أنّ روسيا الاتحادية اصبحت معنية بموضوع خطف المطرانين وانها تسعى بوسائلها المتاحة الى جمع المعطيات والمعلومات عنهما، وخصوصاً في ظل ما تردد عن ان الجهة الخاطفة قد تكون من الاسلاميين المتشددين الذين تعامل معهم الروس في اكثر من موقعة عسكرية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، في حين كشفت مصادر مطلعة لـ"النشرة" أن التأخير الذي حصل على صعيد الإفراج عن المطرانين يعود إلى إصرار الجانب التركي على أن يكون الإفراج عن ضباط من المخابرات التركية معتقلين في سوريا بشكل سري.

كلمة أخيرة..

عاد مخطوفو أعزاز إلى أرض الوطن، لتُطوى قضية إنسانية ووطنية فصولاً، دون أن تُطوى تبعاتها وتداعياتها، خصوصاً في ضوء حفلة "الاستثمارات" السريعة للحدث..

وبعيدا عن "الاحتفالات" الرسمية والشعبية بعودة المحرّرين، تبقى "الروايات" التي يسردونها برسم المدافعين عن "الخاطفين"، أولئك الذين لا يمكنهم أن يمثلوا "ثورة"، لا بالقيم ولا بالمبادئ التي يعبّرون عنها..

ويبقى الأمل بأن "تكتمل" الفرحة بتحرير المطرانَين والمخطوفين الآخرين، وصولا حتى "تحرير" الوطن من "التبعيات" التي لا تنتهي، وقبل كلّ شيء من "فراغه القاتل"!