دخول رئيس الحكومة المكلَّف تمام سلام إلى المستشفى قبل أيام، وإجراؤه عملية طبية بسبب مرض ألمّ به (مع دعائنا له بالشفاء)، يشبه "بالتمام" حالة الشلل السياسي والحكومي في لبنان، الذي يعاني مرضاً مزمناً لم يُشفَ منه حتى اليوم، رغم كل العلاجات التي قُدِّمت له سواء من الولايات المتحدة أو من المملكة السعودية، وتحديداً في الطائف الذي أنتج وثيقة وفاقية لم ينفَّذ منها سوى وقف مؤقت للحرب الأهلية.

هذه الحالة المرضية ما عادت تنفع معها المسكّنات أو الأدوية الآنيّة، وقد حان موعد عملية استئصال الورم الخبيث من الجسم اللبناني، حيث الطائفية والمذهبية والمحاصصة واقتسام كل شيء، حتى رمل الشواطئ والجبال تنخر هذا البلد الصغير الذي لا يقوى على لعبة الأمم، فما بالك بالنفط والغاز؛ تشرئب لهما الأعناق وتُفتح لهما الأفواه لشراهة ما يرون!

أمام هذه المعضلة فإن البلد يستمر في حالة الدوران والفراغ القاتل والمراوحة الدائمة، ولا شيء يؤشر إلى حلول مقبلة في المستقبل، حيث لبنان حالياً خارج السياقات الكبرى لصُنّاع القرار الدوليين والإقليميين الذين يتحكمون بالأمور، والكل منهمك بالوضع في سورية، أما الأطراف المحلية فما زالت تحافظ على الحد الأدنى من الوصل الإيجابي فيما بينهما، لتبريد الوقائع، مع جهوزية تامة وتأهّب مستمر في حال تبدّلت الأوضاع أو حصل اختراق ما، ولهذا تسجَّل ثلاثة موانع لتشكيل حكومة وحدة وطنية:

1- الموقف السعودي المتصلب والرافض لتشكيل حكومة، باعتبار أن لبنان هو في آخر الأولويات، وبالتالي فهي غير مستعدة في الوقت الراهن للإفراج عن أي تطور إيجابي في هذا السياق.

2- الصدام العسكري في سورية يمر في لحظة الذروة في الاشتباك الدولي، وهذا ينعكس مزيداً من توسع رقعة النار والاشتداد والدمار، ولبنان أكثر المتأثرين بما يجري.

3- لم يؤدِّ التفاهم الأميركي - الروسي ولا الأميركي - الإيراني لغاية الآن إلى حلّ الملفات شديدة التعقيد في المنطقة.

وعلى هذا الأساس فلبنان اليوم محكوم بتوترات متنقلة، وبخطر الاستهداف الأمني بسيارات مفخخة أو سواها، وما يحدث في طرابلس يأتي ضمن هذه القراءة والمعطيات، لذلك فإن أي اختراق لن يحصل في هذه الفترة، ولقاءات السنيورة مع الرئيس بري اتضح أنها لتمرير الوقت، ولا دخانَ أبيض يخرج منها، أما النائب وليد جنبلاط، الأكثر ميلاً حالياً لقوى الثامن من آذار، فلن يأخذ الأمور إلى صدام مع قوى 14 آذار، رغم الضغط الكبير عليه.

إذاًَ، المرتكز الأساسي هو أن السعودية تمرّ بحالة من الضياع على مستوى القرار منذ لحظة الاتصال الأميركي - الإيراني وعدم حصول الضربة الأميركية على سورية، ولهذا فمن غير المنطقي أن تتمكّن السعودية من حرية التصرف في الساحة اللبنانية، لأن ركائزها تهمشت في الميدان اللبناني، وهي تصرفت منذ لحظة تكليف تمام سلام بأسلوب نظام الوصاية، وهنا ارتكبت خطأ فادحاً وصارت بعدها مسألة حكومة سلام جزءاً من أزمتها على الساحة اللبنانية، ما انعكس حالة من التخبط أيضاً لفريقها في لبنان، والذي لا يملك أجندة سياسية، ولا يُتقن سوى الخطاب المذهبي التصعيدي المعتاد، كما حدث في ذكرى اللواء وسام الحسن.

وفي محاولة من "تيار المستقبل" لكسر الجليد، قام بخطوة اللقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وفي المعلومات أن السنيورة كُلِّف من قبل الرئيس الأسبق سعد الحريري بالتحاور، بغض النظر عن النتائج، ومحاولة تنظيم عناصر الاختلاف إلى حين تبلور وضع إقليمي قد يأتي منه اختراق ما، ورغم علم هذه الجهة السياسية بالخطوط الحمر التي وضعتها المملكة السعودية على شكل وتشكيل الحكومة اللبنانية المفترَضة في جميع الأحوال، فإن اللحظة الإقليمية المنتظَرة هذه لا تبدو أنها في مقتبل الأيام، ولا حتى الشهور، حيث تشير دوائر الأرصاد الدولية إلى أن الغيوم السوداء ما تزال متلبدة في سماء المنطقة، ولو حصل لقاء جنيف.