لم يأت تحرك المبعوث الدولي الى سوريا ​الأخضر الإبراهيمي​ الآن مشابها للجولات السابقة. ينطلق الإبراهيمي هذه المرة من معطيات عملية تحيط بمؤتمر جنيف 2 المرتقب انعقاده الشهر المقبل. مجرد مجيء المبعوث الدولي الى دمشق بعد إنقطاع يعني أن المرحلة الجديدة الجدية في معالجة الأزمة وضعت على السكّة. الإبراهيمي كان جمّد تحركاته في الأشهر الماضية وانتظر تسوية لا تبعد أحدا من العواصم المؤثرة في الأزمة السورية. يُحكى أنّ الإبراهيمي كان ينتظر تحديدا نتائج التواصل الأميركي - الروسي من جهة، وخط المفاوضات بين واشنطن وطهران من جهة ثانية، في حال صمود دمشق. الآن لم يعد يكترث المبعوث الدولي لمواقف الدول العربية، وتقول المعلومات ان الإبراهيمي طلب موعدا من الرياض لزيارتها ضمن جولته، لكن المملكة لم تحدد له اي موعد، فتابع جولته ضمن جدول لا يحيّد اي عاصمة معنية بالأزمة السورية.

أتى المبعوث الدولي كعادته مستمعا بالدرجة الاولى الى أجوبة حول أسئلة: كيف ستساهمون في الحل بسوريا؟ هل ستدعمون او تشاركون بمؤتمر جنيف 2؟ ما هو رأيكم في مستقبل سوريا وكيف يكون الحل؟ هل تدعمون ترشيح الرئيس بشار الأسد للإنتخابات؟ ماذا لو أصرت المعارضة على رفض المشاركة بالحل؟

الأسئلة نفسها كان طرحها الإبراهيمي سابقا ودوّن الأجوبة على دفتره. لكن المبعوث الدولي يعرف ان الوضع تغير في سوريا. لم تعد تلك الأجوبة صالحة. كان الإبراهيمي يلّمح سابقا الى مطلب تنحي الرئيس بشار الأسد بإعتباره مشروعا جديا تطالب به المعارضة من موقع قوي، أما اليوم فالإبراهيمي يعود الى دمشق بشروط سورية حددها النظام لا غير.

لم يكترث الإبراهيمي للقاء المعارضين الآن، زيارة دمشق تعني له مقابلة القيادة السورية فقط.

فماذا دوّن المبعوث الدولي في العراق ومصر وإيران؟ وماذا سيدوّن في دمشق وبيروت؟

تقول مصادر مطلعة ان الآراء شبه متفقة ما بين العواصم الثلاثة التي زارها الإبراهيمي: القاهرة تريد حلا سياسياً لا ُيعطي الإسلاميين ثقلاً، وبغداد تفضّل الحل مع اعطاء الأسد شرعية دولية لمحاربة المتطرفين الذين يشكلون جسما واحدا مع مجموعات مسلحة تنتشر في العراق: "داعش" وغيرها. وطهران نصحت المبعوث الدولي بأن يشجع المعارضين على الإنخراط بحل سياسي جدي، وخوض الانتخابات المقبلة لمنافسة الأسد في صناديق الإقتراع.

تقول المعلومات ان ايران وافقت على عناوين تسوية حول سوريا تعطي المعارضة مشاركة فاعلة في الحكومة الجديدة، وتضيف المعلومات ان طهران تعهدت بإقناع دمشق بأن يكون رئيس الحكومة المقبلة إما ​هيثم مناع​ أو معاذ الخطيب، بإعتبارهما يشكلان "قيمة سياسية وطنية".

منذ أيام قليلة حط مناع في بيروت في زيارة قصيرة قبل أن يعود إلى باريس، وقال إن زيارته أتت على عجل للقاء لم يشأ الإفصاح عن طبيعته. لكن المعلومات تؤكد لقاءه مع شخصيات فاعلة على الخط السوري ضمن إطار التحضير للمرحلة المقبلة، وحين يُسأل الرجل عن موعد زيارته لدمشق يقول مبتسماً: قريباً.

أما الخطيب فالتواصل معه قائم عبر قنوات سرية، وتقول المعلومات أن الخطيب يستعد لرئاسة الحكومة السورية في حال حصول التسوية في جنيف. فهل يتنافس مناع والخطيب؟ ومن سيشارك من جانب المعارضة؟

يبدو أن صقور المعارضة السورية لم يعد لهم مكانٌ في اللعبة. فالتسوية ستفرض وسطيين بالدرجة الأولى، ومعارضين "عقلانيين وطنيين رفضوا الحرب الخارجية على سوريا". وحينما يُسأل أحد هؤلاء الصقور عن عدم وجود مكان له في السياسة السورية مستقبلا بعد التسوية يقول: "لا أمان لي هناك لا في السلم ولا في الحرب". لكنه لا يعتقد أن التسوية قريبة، "قد تحتاج ترجمتها في حال وجودها ضعف أشهر الأزمة السورية".

قد تؤثر رسائل قطر بإتجاه سوريا في مزيد من فكفكة عُقد الازمة في ظل معطيات عدة باتت تخدم دمشق. العين على الميدان السوري الذي يشهد محطات فاصلة في حرب الجيش ضد المسلحين من جهة، وتعاون "الجيش الحر" مع الجيش السوري ضد "داعش" و"النصرة" من جهة ثانية.

فهل لا زلتم تسمعون اليوم عن استعداد لاقتحام العاصمة أو معركة "تحرير الساحل" أو الزحف نحو كل حلب؟ ألم تصبح حمص "عاصمة الثورة" مرتكزاً للجيش السوري في حربه ضد المسلحين في وسط البلاد؟ فماذا سيسمع الإبراهيمي في دمشق إذاً هذه المرة؟