عندما عُيِّن داود أوغلو وزيراً للخارجية التركية استبشرنا خيراً، لاسيما أنه صرّح في أكثر من مناسبة بأن سياسة تركيا الخارجية ستكون مبنيّة على "صفر مشاكل"، خصوصاً مع سورية.

وبالفعل، تم التقارب بين تركيا وسورية، وأُجِّلت أو غُضّ النظر عن قضية لواء الاسكندرون، الذي ضمّته تركيا إليها بعدما احلته فرنسا عند انتهاء الحرب العالمية الأولى بهدف سلخه عن سورية.

لقد أوحت لنا تركيا أنها الصديق القريب المحاذي لسورية؛ القلعة العربية الأبية التي ما تزال تقاوم وتحارب الكيان الصهيوني المحتل، رغم كافة الصعوبات المحلية والإقلمية، وقلة الموارد.. أوحت تركيا لنا أنها معنا في الدفاع عن أمتنا، وأنها معنا في استعادة الحقوق الفلسطينية المغتصبة، ومعنا في فك الحصار عن غزة عندما أرسلت باخرة مرمرة التي جُرح واستشهد عدد من الأتراك والعرب كانوا على متنها، ومنهم المقاوم المحامي اللبناني هاني سليمان، والمطران العربي المقاوم كابوجي..

لكن ما قامت به تركيا منذ حوالي ثلاث سنوات تجاه الأزمة في سورية، يؤكد أنها قرّرت الانتقال إلى معسكر بعض الدول الإقليمية والخليجية وحلفائها الأميركيين و"الإسرائيليين"، هدفهم المعلَن تطوير الديمقراطية فيها، لكن الغاية الحقيقية هي تقسيم سورية مذهبياً وطائفياً وإثنياً.. وهي سياسة "إسرائيل" الدرامتكية لإزالة أي كيان موحَّد وقوي يمكن أن يقاوم سياسة توسعها في المشرق العربي، وقد نجحت السياسة "الإسرائيلية" بتقسيم السودان إلى دولتين، كما نجحت في تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق، وكذلك في خلق أجواء التقسيم في ليبيا إلى 3 كيانات، وتعمل على ذلك في سورية، كما أنها خلقت البلبلة في مصر، التي تريد أيضاً تقسيمها وتضيق الخناق عليها من قبل حلفائها في جنوب السودان وإثيوبيا..

إلا أن تركيا نفسها أُلبست أيضاً قميص السياسة التقسيمية "الإسرائيلية" - الأميركية، حيث لدى تركيا أقلية كردية كبيرة تطالب بالحكم الذاتي للمناطق المحاذية للعراق وسورية، ولتركيا أيضاً مشاكل مع اليونان، حيث ما تزال المشاكل عالقة بالنسبة إلى الحدود البحرية الخالصة في بحر ايجه، حيث توجد كميات من البترول، وهناك بالطبع المشكلة القبرصية وشواطئ قبرص ووجود البترول فيها، كذلك هنالك المطالب اليونانية والأرثوذكسية بإرجاع القسطنطينية (استمبول)، كما أن هنالك مطالب الأرمن بقسم من الأراضي التركية في الشرق على الحدود مع أرمينيا، ومطالب أيضاً في كيليكيا، يضاف إلى ذلك الانقسام الحاد بين العلمانيين والمتدينين..

إذاً، لقد فتحت تركيا على نفسها أبواباً خطيرة تهدد أمتها وكيانها كبلد موحد، فالحرب على سورية ليس لتقسيم ليس سورية وحسب، إنما لتقسيم منطقة الشرق الأوسط كلها، وهو فخ السياسة الأميركية - "الإسرائلية" الذي وقعت فيه أنقرة حين ساعدت على الحرب على سورية.