مع غياب الحدث الأمني والسياسي في عطلة الأسبوع، تصدرت زيارة الوفد الروسي برئاسة المطران نيفون الصيقلي، الذي يشغل منصب العلاقات الخارجية للكنيسة الروسية، وعضوية عدد من المسؤولين الروس إلى لبنان لما حمله المطران الصيقلي من رسائل أطلقها من عاصمة الكثلكة، خلال مشاركته والوفد المرافق في حفل غداء أقامه على شرفه رئيس "الكتلة الشعبية" الوزير السابق الياس سكاف في زحلة، سرعان ما تحول إلى احتفال حاشد، وهي تتعلق بمستقبل الوجود المسيحي في المشرق ودور الكنيسة الروسية في المحافظة على هذا الوجود، خصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد تنامياً ملحوظاً للأصولية والتكفير المذهبي والديني، بعد فشل الدول الغربية وفرنسا بشكل خاص في ترجمة تعهداتها التاريخية في حماية المسيحيين في المشرق العربي.

رسائل الكنيسة الروسية تمحورت حول عدد من الملفات وتزامنت مع سلسلة من التحولات الاقليمية، فبالإضافة إلى رمزية زحلة المسيحية وخصوصيتها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، باعتبارها صلة الوصل بين بيروت ودمشق، وخط العبور الاجباري بين مسيحيي لبنان ومسيحيي سوريا، برزت اشادة الصيقلي بالخط الاستقلالي الذي ينتهجه سكاف وصوابيته للمحافظة على التعايش الاسلامي المسيحي في البقاع المتوتر، خصوصاً أن نواب المدينة بسياساتهم الضيقة وضعوها على أبواب صراع المحاور بين المعارضة السورية القريبة جغرافياً وعضوياً منها من جهة، والنظام السوري من جهة ثانية، خصوصاً أنها تشكل الممر الإلزامي للفريقين، بيد أن الرسالة المثلثة الأضلاع تطرقت إلى عناوين كبيرة تتصل بالوضع الاقليمي، لجهة الكشف عن التواصل المستمر بين الكنيستين الشرقية والغربية لبلورة حلول تتصل بمستقبل الوجود المسيحي في المشرق العربي، بعد أن بات يعيش خطر الزوال بفعل المد الجغرافي للأصولية والتكفير والسلفية التي تقف خلفها الكثير من الدول العربية التي تعمل بغطاء من دول أوروبية وغربية معروفة، ليس أولها واشنطن ولا آخرها فرنسا التي باعت المسيحيين بحفنة من البترودولار، بحسب تعبير مصدر شارك في الإعداد للزيارة.

في الشق الثاني، توقف المصادر عند ما ألمح اليه الصيقلي حول هوية لبنان المستقبلية، التي لن تكون كما هي إلا من من خلال الوجود المسيحي وتفاعله مع محيطه، فلبنان من دون مسيحييه لن يكون لبنان إنما ساحة اقليمية لتصدير الارهاب والتطرف والأصولية، ليس إلا لأنه قلب العروبة وصمام أمان الإعتدال الذي يحتاجه مسيحيو المشرق العربي بعد التنكيل والتهجير الذي لحق بهم من فلسطين إلى العراق والآن سوريا ومصر، وقريباً لبنان في حال لم يتدخل أصحاب الشأن لوضع حد لما وصفته المصادر عينها بالغوغائية وقصر النظر.

في المقلب الثالث، توقف المراقبون عند المضمون الأبرز في الرسالة، وهو دور الاستقلالية والاعتدال المسيحي في زحلة خصوصاً والبقاع عموماً، وعدم الارتهان والرهان على المشروع الاقليمي والدولي الذي بدأ بالتهاوي في ظل موقف روسي متشدد، فزحلة تشكل صلة الوصل بين مسيحيي بيروت والأطراف من جهة، ومسيحيي سوريا وفلسطين والعراق من جهة ثانية، وسقوط المسيحية في عاصمة الكثلكة يعني قطع شريان التواصل بين سائر المسيحيين وعزلهم ودفعهم إلى الإنكفاء القسري عن الساحتين السياسية والاقتصادية، وبالتالي اسقاط صفة لبنان ووجهه المعروف في الأمم المتحدة على أنه بلد التلاقي بين الحضارات والأديان، حيث تكمن أهمية سياسات الانفتاح بعيداً عن الممارسات الراهنة التي تدفع بالمدينة إلى الدخول في صراع أكبر منها وأكبر من نوابها ووزرائها ومن يقف وراء سياساتهم غير العقلانية بحسب تعبير المصدر.