أضاع مهرجان «إحقاق الحق» البوصلة وسقط في فخ الخطاب الغرائزي لإرضاء الشارع لأهداف سياسية وانتخابية. هذا تقويم قوى إسلامية للمهرجان، متخوفة من مشهد دموي على غرار ما شهدته طرابلس قبل ثلاثين عاماً

لم يكد مهرجان «إحقاق الحق» الذي أقامه «أولياء الدم» في تفجيري مسجدي التقوى والسلام في طرابلس ينتهي، حتى سارع إسلامي «عتيق» إلى مقارنة ما شهده معرض رشيد كرامي الأحد الماضي، بآخر مهرجان أقامته حركة التوحيد الإسلامي في المدينة عام 1984. بعد ذلك المهرجان، وقعت المعارك بين الحركة من جهة، والجيش السوري وحلفائه في طرابلس من جهة أخرى، وانتهت بإنهاء الوجود العسكري للحركة، ودخول الجيش السوري المدينة وبسط سيطرته عليها.

يعود الإسلامي بالذاكرة إلى الوراء نحو 30 عاماً، ليبدي خشيته من أن تشهد طرابلس مشهداً دموياً مماثلاً للمشهد السابق، انتهى بمجزرة شهدتها منطقة باب التبانة بعد ذلك بزمن قليل، وذهب ضحيتها المئات.

خشية الإسلامي تتطابق مع قلق ينتاب مصادر قوى إسلامية في طرابلس من أن يكون المهرجان قد «أضاع البوصلة، أدى ـ نتيجةَ خطابه السياسي المرتفع السقف ـ إلى إدخال جريمة التفجيرين في متاهات جانبية، أو نحّاها جانباً، لأنه بدلاً من التركيز على الاحتكام إلى القضاء وإظهار مظلومية الضحايا، أخذت الخطابات بعداً آخر».

شرحت المصادر قلقها بإلقاء الأضواء على بعض تفاصيل الإعداد للمهرجان، إذ لفتت إلى أنه «لم يكن مؤكداً تنظيمه، ولا تحديد من سيتحدث فيه حتى مساء السبت الماضي، نتيجة تباينات داخلية بين المنظمين والأطراف الداعمة له، كادت تؤدي إلى تطييره».

العثرات الشكلية التي وقع فيها المهرجان، مثل الفوضى في التنظيم، والظهور المسلح لبعض المجموعات فيه، مع أنه جرى التوافق على عدم حصول ذلك، وعدم استغلال المهرجان ليكون جامعاً بدعوة جميع القوى السياسية والمدنية إليه، من أجل توحيد كلمة طرابلس حيال جريمة مزدوجة ومروعة استهدفتها، واستنكرها الجميع، كل ذلك كان برأي مصادر القوى الإسلامية «تفاصيل» يمكن عدم التوقف عندها، لأن «ما يستدعي الانتباه كان في مكان آخر».

5 نقاط رئيسية تتوقف عندها المصادر لتشير إلى الثُّغَر الكبيرة التي حصلت في المهرجان، وجعلته يفقد الكثير من وهجه ومضمونه. الأولى، أن الخطابات التي ألقيت فيه «انساقت وراء الخطاب التصعيدي الذي رفعه المسؤول السياسي للحزب العربي الديموقراطي رفعت عيد، ووقعت في فخاخ سياسية وإعلامية نصبت لها. هذا الأمر أفقدها صفة أنها مظلومة ومعتدى عليها، لتبدو الخطابات المرتجلة وغير المدروسة كأنها حلقة إضافية في مسلسل النزاع الأبدي بين طرفي الصراع في باب التبانة وجبل محسن».

النقطة الثانية، هي أن أغلب القوى السياسية في طرابلس «تتاجر» بالقضية، وتطلق خطابات غرائزية ترضي الشارع لأهداف سياسية وانتخابية. فالسياسيون من نواب ووزراء وطامحين «لا ينظرون إلى باب التبانة، التي تضم قرابة ثلث سكان طرابلس، إلا على أنها خزان شعبي ينفعهم في الاستحقاقات الانتخابية، لا على أنها منطقة محرومة تحتاج إلى خطة تنمية شاملة».

النقطة الثالثة، خروج المهرجان عن سياقه بالانتقاد «غير المفهوم» الذي وجه إلى مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، الأمر الذي أحدث انقساماً داخلياً وقد يشكل مبرراً لرفع الشعار غطاءه عن المنظمين، لأن طلبه من وزير الداخلية مروان شربل، خلال زيارة الأخير له، إمهال المسلحين 24 ساعة لدخول الجيش إلى باب التبانة، لا 3 أيام كما اقترح شربل، لا يستدعي التهجم على الشعار بالشكل الذي حصل.

أما النقطة الرابعة، فهي أن «اللقاء التشاوري» الذي نظم المهرجان ودعا إليه، وهو عبارة عن «واجهة» لقادة المحاور والمشايخ والفاعليات في باب التبانة، تعثر في أول إطلالة شعبية له، وردّت المصادر السبب إلى أن أعضاءه يدركون، على الأرجح، أن تشكيلهم لقاءً كهذا يمثلهم، هو بنظر السياسيين «قوطبة» عليهم وسحب البساط من تحت أقدامهم ، لأنه لا مصلحة للسياسيين في وجود لقاء كهذا أو في استمراره، في منطقة تعد الأكبر سكانياً في طرابلس، وهم لن يترددوا عند أول فرصة في عرقلته ودفنه وهو لما يزل مولوداً.

أما النقطة الخامسة والأخيرة فهي، غياب أبرز الوجوه السلفية البارزة والفاعلة على الأرض عن المهرجان والمقصود هنا الشيخ حسام الصباغ، الذي مضت فترة وهو غائب عن الأضواء، بعد إطلالات سابقة له.

وتنقل المصادر عن الصباغ ومقربين منه أسباب تنحيه عن الواجهة، أنه لمس أن «أي تحرك له أو لأمثاله في لبنان لا فائدة منه إذا لم يسقط النظام السوري».

استشعار الصباغ حجم اللعبة وتعقيداتها، جعله يفضل عدم المشاركة فيها، ما دفع آخرين من قادة المحاور أو رؤساء المجموعات المسلحة إلى السعي إلى توفير غطاء سياسي لهم، قبل تبدل الظروف وحصول «صفقات» سياسية، محلية وإقليمية، حتى لا يتحوّلوا إلى كبش فداء، وتجري التسوية على حسابهم.

وفي هذا السياق تستبعد المصادر الإسلامية الشائعات التي تروّج تهويلاً بإمكان دخول الجيش السوري إلى لبنان للدفاع عن حلفائه فيه، لأن هذا الجيش يحتاج هذه الأيام إلى من يساعده، وهو ليس قادراً على خوض مغامرة من هذا النوع وتحمّل نتائجها.

لكن المصادر حذرت من أنه «إذا تدهورت الأمور نحو الأسوأ، فقد يطلب من الجيش اللبناني، داخلياً وخارجياً، التدخل لحسم الأمر عسكرياً تحت شعار محاربة الإرهاب والقضاء عليه». وختمت المصادر بالقول: «هل نسينا بهذه السرعة تجربة تنظيم فتح الإسلام، الذي كان ثمن القضاء عليه وتدمير مخيم نهر البارد وصول قائد الجيش حينها العماد ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية، مكافأة له؟».