تكثر الوعود والعهود، بانتظار أن تمتد هيبة الدولة لتطال قطاع السجون، هذا القطاع المنسي منذ أمد بعيد بعيد، فتُحسّن وضع السجناء ليكونوا نزلاء مكان أقل ما يقال فيه إنه يليق بـ"بشر"، وتعطي بعضاً من المعنويات الى حراس السجون علّهم يفرضون الأمن ولا يعودون رهائن في يد السجناء... كلّها وعود نسمعها على لسان بعض السياسيين، وبين الحين والآخر، عندما يحدث "إنقلاب" في سجن معين أو عندما "يثور" السجناء على آمريهم. ويبقى السؤال: هل ترغب الدولة فعلا بتحسين أوضاع السجون؟

سجون في المحافظات!

منذ مدّة تم الإتفاق في مجلس الوزراء على نقل إدارة السجون من سجن وزارة الداخلية الى وزارة العدل. وفي هذا السياق يؤكد وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال ​شكيب قرطباوي​ لـ"النشرة" أن الدراسة أقرت وسمح له أن يسمي قاضياً ليقوم بتنظيم مديرية السجون الا وهو القاضي رجا أبي نادر. ويتحدّث عن الأهمية التي أولتها حكومة تصريف الأعمال لقطاع السجون، حيث إختارت 3 قطع أرض تملكها الدولة اللبنانية لإنشاء سجون في المحافظات عليها في الشمال والجنوب والبقاع كما ورصدت مبلغ 8 ملايين دولار لإعادة تأهيل سجن رومية، لافتاً الى أنه "تم درس الكلفة التقريبية لهذا المشروع وقد وصلت الى حدّ 250 مليون دولار"، آملا أن "تبدأ الحكومة القادمة التنفيذ ونحن بحاجة فقط لتأمين الإعتمادات".

"السوق" يسبب البطء بالمحاكمات!

وإذا كانت إدارة السجون من وزارة الداخلية الى وزارة العدل فهذا لا يعني أن المشكلة إنتفت، فالمشاكل في السجون كثيرة الى حدّ أنه يصعب تعدادها ومنها مشكلة البطء في المحاكمات، وهنا يشير قرطباوي الى إنه "وفي إجتماعات عقدت بين مجلس القضاء الأعلى والتفتيش وغيرهم، تمّ التشديد على ضرورة تسريع المحاكمات دون التسرع بالأحكام رغم وجود مشكلة "السَوق" من السجون"، مؤكدا أنه "منذ سنة ونصف تمّ الإتفاق في مجلس الوزراء على شراء 25 آلية"، ويقول: "تمكنّا من شراء 14 سيتم تسليمهم الى قيادة الدرك ومع هذا الإجراء تخف مشكلة السَوق التي تعتبر جزءاً أساسياً في بطء المحاكمات". لافتاً الى أنه "تم تركيب برنامج الكتروني يظهر ما هو عدد الموقوفين في لبنان وما هو وضعهم وآخر الإحصاءات أظهرت أن هناك: 38% محكومين و62% موقوفين لم تنته محاكماتهم بعد. أما وبعد العمل الجدي، الّذي بدأ بالظهور في أواخر 2012، إرتفعت نسبة المحكومين الى 49%"، مشددا على أنه "وفي 2013 وبسبب النزوح السوري الكبير إرتفع عدد المقيمين على الأرض اللبنانية فعادت وإرتفعت نسبة الموقوفين".

أما رئيس المجلس القضاء الأعلى السابق ​غالب غانم​ فيرى أن "البطء في المحاكمات يعود الى أن التراكم موجود من سنوات الحرب حين لم يكن هناك محاكم". ويشدد غانم على "ضرورة إعادة النظر بقانون أصول المحاكمات لجهة تقصير المهل وما الى غير ذلك"، ويضيف: "القضاة والمحامون هم أحد أسباب البطء في المحاكمات. فهناك بعض القضاة الذين لا يمارسون واجباتهم بالشكل الصحيح ولا يديرون الدعوى كما يجب وكذلك بالنسبة الى المحامين".

في هذا الخصوص يدعو غانم السلطة السياسية والحكومة ومجلس النواب الى "التجاوب بسرعة عندما يكون هناك مشاريع إصلاحية في القضاء أكان لتسريع المحاكمات أو لأسباب أخرى".

لاعادة النظر بقانون المخدرات!

ما يلفت في السجون هي أنها مليئة بمدمني المخدرات. فهم مرضى ولكن بنظر الدولة اللبنانية هم مجرمون كالمروجين والتجار. وفي هذا الاطار يؤكد قرطباوي أن "قانون مكافحة المخدرات ينص على تفعيل لجنة مكافحة الإدمان التي لم تفعّل الا حديثاً وهي برئاسة قاض وفيها أطباء وضابط ومتخصصين في علم النفس وغيره"، لافتاً الى أن "ما يحصل اليوم هو أنه عند توقيف المدمنين يعرضون على هذه اللجنة وهي بدورها ترسلهم الى المصحات أو المستشفيات أو الأطباء وعندما يتم التأكد أنه عولج نهائياً ترسل لجنة مكافحة المخدرات تقريرها وتسقط الملاحقة الجزائية بحقه". أما غانم فيشدد على "ضرورة إعادة النظر في القانون المتعلق بالمخدرات في لبنان ليتمّ التمييز بين الترويج وبين الربح على حساب صحة الناس وأخلاقهم ومصيرهم وعلى مستوى الأصدقاء والحاجة".

منذ مدة رفع وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل الصوت عالياً بشأن قاعة المحاكمات التي أنشئت من أجل محاكمة الموقوفين الاسلاميين، إنتهى تدشينها الا أنه وحتى الساعة لم تتم محاكمة أي موقوف فيها، ما اضطر شربل الى توجيه اللوم لقرطباوي على كلّ التأخير مطالباً بإستعمالها لوضع السجناء فيها في حال لن يصار الى إجراء محاكمات فيها. قرطباوي أكد لـ"النشرة" أن "التسليم الرسمي تم منذ أشهر واليوم بدأت عملية المحاكمة عبر الإستجواب التمهيدي وهو إلزامي"، مشددا على وجوب أن يتمّ استجواب كلّ موقوف بمفرده، لافتا إلى أن المجلس العدلي قسّم الملف إلى عدة ملفات، كاشفاً أنّ المحاكمة ستبدأ قريباً على أساس كلّ ملف على حدى.

لا إصلاح ولا تأهيل في السجون!

صحيح أن التقصير كبير في مسألة معالجة أوضاع السجناء القانونية الا أن الخلل الأكبر هو في تأهيلهم.

وفي هذا الإطار تنشط الجمعيات الأهلية لمساعدتهم، خصوصاً وأن "الإنسان بدخوله السجن هو مجرم وهنا واجب الدولة أن تعمل على تأهيله وأصلاحه، وهذا ما لا تقوم به" بحسب ما يؤكد مرشد عام السجون السابق ورئيس جمعية نسروتو-أخوية ​السجون في لبنان​ الاب ​مروان غانم​ لـ"النشرة"، الذي يرى أنه "لا يوجد لا إصلاح ولا تأهيل ولا أي شيء آخر في السجن خصوصاً وأنه لا يوجد تصنيف للحالة الجرمية في لبنان، فالمجرم مكانه الى جانب القاتل والمزور والمروج وتاجر المخدرات... وعندها كل شخص يتعلم من الآخر ماذا فعل بحياته ولماذا دخل الى السجن"، ويضيف: "هذا ما حصل مثلا في زحلة مع شخص مدمن تعرف على عصابة سرقة وسلب وعندما خرج من السجن انضم اليها وأكمل الطريق معهم بالسرقة والدولة أوقفتهم مؤخراً". هذا ما يؤكده أيضاً مرشد عام السجون الحالي الأب جوزيف العندراي، مشيراً الى اننا "نعاني من لا إنسانية وضع المساجين والسجون".

وضع المساجين يسبب الشغب!

يعود الأب مروان غانم الى بداية السبعينيات حينما أنشئ سجن رومية "يومها كانت هناك مشاغل ومصانع للمساجين كانوا يعملون ويتلقون أجرا وتمر المحكومية دون أن يشعر بها السجين، فينهي عقوبته وهو يملك أموالاً وقد تعلم حرفة معينة لأن السجن هو مدرسة إصلاحية وليس مدرسة عقابية"، ويتابع: "اليوم يختلف الوضع لذا نتعرف على أعمال الشغب لأن المساجين يفكرون بأوضاعهم وبأوضاع عائلاتهم خصوصاً وأن الدولة لا تتيح لهم مجالاً ليكون لديهم مشاغل ليعملوا فيها ويكونوا منتجين لارسال الأموال لعائلاتهم. فلو كان للسجناء مشاغل لما كنا لاحظنا هذا الشغب".

يسعى الأب غانم عبر جمعيته الى مساعدة السجناء، وهي التي تنشط في سجون البقاع وبعبدا وجبل لبنان كما وتتعاطى مع مدمني المخدرات في سجن رومية.

وعلى أمل التوصل يوماً الى إنشاء سجون تليق "بالبشر" تبقى السجون اللبنانية بيئة حاضنة للإجرام لا للإصلاح.. من يدخلها مجرماً، غالباً ما يخرج منها أكثر إجراماً!

تصوير حسين بيضون

هذا الموضوع هو الجزء الأخير من ملف السجون.

مواضيع سابقة:

-1-"سجن رومية"... إمارة يحكمها المساجين ويستعملها السياسيون ورقة ضغط!

-2-سجن زحلة للرجال "مقبرة للاحياء" في ظل امكانيات محدودة لقوى الأمن