يبدو أن الكباش الإقليمي وصل ذروته وتخطى كل الخطوط الحمر وتجاوز الأعراف الدبلوماسية والسياقات السياسية التي تترك مساحات للتسوية في ما يعتبر "زمن التسويات الممكنة"!.

لقد شكل التفجير الإنتحاري الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت الشرارة "الرسمية" الأولى لإنطلاق ما يسمى الحرب "المفتوحة والمعلنة" والتي لن تنحصر في ساحة معينة ولن تقتصر أيضا على بلد بعينه جريا على القول المتعارف عليه بأن كل شئ مسموح في "الحرب".

لا شك أن تسمية "الحرب على الإرهاب" والتي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية بعد أحداث سبتمبر والتي أفرزت تداعيات خطرة جدا أقلّ ما يمكن أن يقال حولها أنها غيرت وجه العالم، وأنتجت جماعات وأساليب وإستراتيجيات لا يبدو أن ما يحصل اليوم وفي أكثر من منطقة في العالم بعيدا عنها، قد تصبح "شعاراً" أساسياً في سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المرحلة المقبلة.

لطالما كانت الجمهورية الإسلامية في إيران المحرك الرسمي والداعم الشرعي لأكثر القضايا "الخلافية" مع الغرب ومع الدول الإقليمية والعربية التي تدور في فلكه وتحديدا المملكة العربية السعودية التي لم يعد خافياً على أحد مدى "حنقها" من إشارات التقارب الجدية بين خصمها اللدود -الجمهورية الإسلامية - وبين حليفها "اللدود" أيضا الولايات المتحدة، فحدث تقارب آخر "غير مقصود" وغير منسق وهو "الحرب على الإرهاب" الذي طرق باب السفارة الإيرانية في بيروت لكنه عجز عن "التوغل" داخلها وفي كلتا الحالتين الرسالة قد وصلت.

في الواقع هي عدة رسائل وفي أكثر من إتجاه، من راعي الإرهاب ومموله وداعمه إلى محور المقاومة والممانعة بكل أطيافها، فالرسالة الأولى كانت للداخل اللبناني وتحديدا لحزب الله بأن النار لن تقتصر فقط على أماكن نفوذه وإنتشاره والتي يبدو أنها لم تفلح في ثنيه عن التدخل الفعلي بما يجري في سوريا، بل حتى تغيير مسار الحرب لصالح المحور الذي يمثل، وأنها إستطاعت تجاوز الخطوط الحمر وإستهداف البعثة الديبلوماسية الإيرانية وفي هذا بحسب إعتقاد المنفذين على الأرجح، بأنه سيضرب هيبة الجمهورية الإسلامية وجمهورها ومناصريها ويدفعه على الأقل الى مراجعة حساباتهم على كافة المستويات، وهنا يسجل الفشل الأول قياساً على تجارب سابقة.

أما الرسالة الثانية فهي خارج حدود الإقليم وتحديدا إلى جنيف حيث يخوض المفاوض الإيراني مواجهة ديبلوماسية "شرسة" قد تفضي في الأيام القليلة المقبلة إذا استمرت موجة التفاؤل السائدة، إلى نتائج إيجابية المح إليها أكثر من طرف غربي معني بملف التفاوض، والأهم من هذا مواقع القوة والخطوط الحمر غير المسموح بتجاوزها كما يردد دوما المرشد الإعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي وفي مناسبات قريبة، وهنا يبرز الفشل الثاني الرافض لهذا التقارب الإيراني الغربي وبغض النظر عن الخاتمات السعيدة، فإن شعورا بـ"الغدر والطعن" يلوح في سماء الحلفاء.

اما الرسالة الأخرى فهي عسكرية المغزى وتتعلق بالإستعدادات لما يسمى هذه الأيام بمعركة الحسم أي معركة "القلمون السورية" والتي تبدو جميع الأطراف المشاركة تتحضر لها وتعتبرها ورقة الضغط التي ستحملها إلى "جنيف 2" المقرر عقده الشهر المقبل في ظل تجاذب كبير من المعارضة السورية ومن خلفها من جهة، والجيش السوري ومن يدعمه من جهة أخرى، خاصة في ظل التقدم الذي تحرزه القوات الحكومية على الأرض في الساعات القليلة الماضية إستعدادا لمعركة "القلمون"والتي لا ينكر أي من الأطراف صعوبتها وقسوتها لا بل التخوف من إمكان إمتداد نيرانها داخل الاراضي اللبنانية، وهو الأمر الذي لوحت به بعض الكتائب المقاتلة في سوريا والتابعة في بعض أجنحتها "للقاعدة" والتي أعلنت بالأمس مسؤوليتها عن تفجير السفارة الإيرانية محاولة زرع الرعب في صفوف المواطنين الداعمين لهذا النهج والمؤمنين به والتي لم تفلح كل الحروب في زعزعتها حتى أقساها وهو العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006 وبهذا يكون الفشل الثالث لهذة الأوهام والتمنيات.

أما سيناريوات الرد الإيراني المتوقع على التفجير الإرهابي الذي وقع بالأمس ربما لن يكون في المدى المنظور، فقد إعتادت إيران على ان تعتمد سياسة "الخطوة خطوة" تبعا لكل مرحلة وظروفها، وبالتالي فإن الأدوات تختلف أيضا بإختلاف الهدف وعنوان هذه المرحلة هو "الديبلوماسية الحازمة" والتي تقبض على مفاصل القرار من زاوية القوة العسكرية والسيطرة على الأرض. وفي المقلب الآخر اوراق التفاوض الصلب و"المتعاون" غير آبه بالأحزمة الناسفة ولا بالإنتحاريين التكفيريين ودعواتهم للإنسحاب من القتال من أية جبهة ومن أية معركة.. اًصبح الوقت متأخرا جدا للتراجع عنها.