صممت حكومة الاستقلال سنة 1943، اثـر انتخاب الشيخ بشاره الخوري رئيسا للجمهورية اللبنانية، على انهاء حالة الانتداب الفرنسي، واعدت بيانها الوزاري على هذا الاساس في 7/10/1943، فناقشه المجلس النيابي، آنذاك، ونالت الثقة بالاجمـاع.

وبناء على مشروع التعديل المقدم من الحكومة، قرر المجلس النيابي تعديل الدستور في بعض مواده المتعلقة بالمنتدب الفرنسي، ووقع رئيس الجمهورية على هذا القانون فورا ونشره في عدد خاص في الجريدة الرسمية في 9/11/1943 على الرغم من معارضة سلطات الانتداب له وما رافق هذا العمل من نتائج خطيرة على الحياة الدستورية في لبنان.

وبالفعل، امر المندوب السامي الفرنسي بتوقيف رئيسي الجمهورية والحكومة واعضاء الوزارة، ما عدا المير مجيد ارسلان وحبيب ابو شهلا لعدم التمكن من توقيفهما، بتهمة المؤامرة على الانتداب! وفي ليل 10/11/1943 نقلوا بطريقة خشنة من بيوتهم مع تهديد بالسـلاح، الى قلعة راشيا كمجرمين معتقلين!

نستذكر الاستقلال كل سنة، ونحتفل به في يوم 22 تشرين الثاني يوم اصبحت حكومة الاستقلال حرة من الاعتقال ويوم اصبح دستورنا حرا من قيود الانتداب والوصاية ويوم اصبح الشعب اللبناني، بوحدته، صاحب السيادة الفعلية على ارضه، وان تضحيات رجال لبنان من اجل استقلاله ليست وليدة اليوم الذي حدث فيه الاستقلال الناجز، التام، غير المنقوص، بل هو ثمرة مخاض طويل يرجع الى مئات السنين، اقلها منذ عهد الامير المعني الكبـير مرورا بالشهابي والى يوم حقق لبنان مجده وحريته.

وانه، من حق لبنان علينا ان لا نفرط بهذه الحرية الثمينة والغالية بسبب خلافاتنا او التشكيك بميثاقنا الوطني او الاستهزاء لحظة عين بمبادئنا الدستورية وقوانيننا ، او بوحدة لبنان شعبا وارضا ومؤسسات، او بحق دولتنا في التصرف بحسب خياراتها الوطنية دون الخضوع لارادة او تدخل دولة اخرى سياسيا، سواء بصورة مباشرة او مقنعة، بشؤون لبنان السيادية.

ومن هنا، ينبغي تأليف الحكومة (المكلف بتشكيلها الاستاذ تمام سلام) وفقا لاحكام الدستور والسيادة الوطنية، لان استقلال الدولة بشؤونها، لاسيما بحسب القوانين الدولية، هو المظهر الرئيسي لتمتعها بالحرية.

واذا كان حزب الله يشكل، بحسب رأي البعض في لبنان وخارجه، اعاقـة في تأليف الحكومة لعلة انخراطه في الحرب السورية الى جانب النظام الحاكم هناك، فان هذا الامر يندرج ضمن اطار حق الدفاع الشرعي عن النفس الذي لا يعلوه حق، وقد كرسه ميثاق الامم المتحدة في مادته 51 باعتباره: حقا طبيعيا ازليا علما بان الحرب السورية تنذر بخطر داهم وشر مستطير قد يهدد كيان لبنان او فريقا او طائفة فيه. وبالتالي، فان سياسة النأي بالنفس او الحياد المؤقت ازاء ما يدور من نزاع حربي في سوريا لا يسوغ معه للدولة اللبنانية التحجر حوله، اذ ان امتناعها هي عن التدخل في تلك الحرب لا ينسحب على رعاياها عملا بقواعد القانون الدولي (المادة 17 من اتفاقية لاهاي الخامسة) اي: ان الدولة المحايدة، او ما سمي "بسياسة النأي بالنفس"، لا تلزم بمنع رعاياها من التطوع في الحرب الى جانب هذا الفريق او ذاك ولا تسأل عن نتائج مثل هذا التطوع، وكل ما هنالك ان المتطوعين باشتراكهم في اعمال القتال لا يمكنهم الاحتجـاج بصفة المحايدين والاستفادة من الحماية المقررة لهم.

وبالتالي، فان حزب الله او تيار المستقبل او اي جماعة لبنانية او افراد اذا ما ارادوا الانخراط او التطوع او الاشتراك او التدخل في القتال الدائر في سوريا لا يلزم الدولة اللبنانية في منعهم من الانخراط في تلك الحرب.

كما انه يجب ايضا على القوى السياسية في لبنان والطوائف والاحزاب ان تتفهم هذا الوضع الاستثنائي الذي يمر به لبنان، لاسيما ان بعض الطوائف فيه يتملكها الخوف على المصير او مهددة بوجودها الامر الذي يمحضها حق الدفاع الشرعـي عن النفس الذي هو اقوى من الحياد المؤقت (النأي بالنفس) ويتفوق حتى على الحياد الدائم بحسب ما اجمع عليه كبار علماء القانون الدولي وما نصت عليه الشرائع الدولية. وبالتالي، لا يجوز عرقلة تأليف الحكومة بحجة تدخل حزب لبناني ايا كان في الحرب السورية، فضلا عن انه ينبغي على جميع الطوائف والقوى اللبنانية ان يتوحدوا سياسيا في سبيل دفع المخاطر عنهم وعن بلادهـــــم وعن اي طائفة فيها.

ويخطىء من يعتقد ـ لبناني او غير لبناني ـ ان حزب الله او اي حزب اخر يستطيع ان يحتكر ارادة الشعب اللبناني انما هذا الاخير ينشد الاطمئنان ولا يريد ان يخاف على نفسه واهله من الذل حتى لا يصح قول الامام علي، رضي الله عنه: "والناس من خوف الذل في ذل.

اذا، طمئنوه ولا تجعلوا الخوف عنده سببا لنفوره ويقيني ان حزب الله لا يألو جهدا في السعي الى تقديم الحلول الناجعة لتأليف حكومة تصون وتحمي لبنان من الكوارث المحيطة به وتبدد مخاوف وشكوك الطائفة الشيعية الكريمة الزاخرة بالرجال الاكفاء والمخلصين لتولي منصب الوزارة في الدولة.