ما كان ينقص آل الجميل الا رؤية قرابة عشرة آلاف شخص في مهرجانهم حتى يعتدّوا بأنفسهم أكثر. ارتاحوا الى أنهم لم يشيخوا سياسياً بعد. أكثر ما أثلج صدورهم أن الرسالة وصلت الى حلفائهم: «ما زلنا هنا». أما محور الكلمة السياسية، فكان حزب الله وانتخابات الرئاسة

فعلها حزب الكتائب البارحة، فوصلت رسالته الى الحليف قبل الخصم. ضخ الحزب الهرم، الدم من جديد في عروق رجاله، نسائه وأولاده. دعاهم الى الاحتفال بمناسبتين عزيزتين، الذكرى السابعة والسبعين لتأسيس حزب «الله والوطن والعائلة»، والسابعة على اغتيال وزيره الشاب بيار الجميل، فما ردّوه خائباً. من مختلف المناطق أتوا، فوصل عددهم إلى قرابة العشرة آلاف في «البيال». وفودهم تسببت بزحمة سير قل نظيرها أيام الآحاد. صدحت حناجرهم بأناشيد تزيد نسبة الادرينالين والحماسة في النفوس. في كلمته السياسية كاد الرئيس أمين الجميل يقول «أنا هو رئيس الجمهورية المنتظر». تحدث عن «تموضع الحزب الوطنيّ والدولي الجديد من وحي التغيّرات اللبنانية والمشرقية والعربية»، الا أنه لم يوضح ما اذا كان أي حديث عن تموضع جديد يعني اعادة النظر في التحالفات الداخلية، وخصوصا أنه لم يأت على ذكر قوى الرابع عشر من آذار. وفي المناسبة، كان لافتا أن جمهور الكتائب أمس كان خمسة أضعاف جمهور «ثورة الأرز» في احتفالها الاخير في المكان نفسه، حيث حضر قرابة ألفي مناصر، وهي التي لا ينفك أعضاء أمانتها يهزأون بقدرات الكتائب «الضعيفة شعبياً».

في احتفال الكتائب أمس، لُفّت الحيطان بالقماش الاسود، وقسمت الصالة الى جزئين: ما بعد الحديد للوفود الشعبية، وما قبله للشخصيات «المهمة». في الصف الاول، اختلطت القوى السياسية، وحده حزب الله لم يحضر. كان لافتاً وجود ممثل النائب سليمان فرنجية، الوزير السابق يوسف سعادة، إلى جانب ممثلي الجنرال ميشال عون، الرسمي إدغار معلوف، وغير الرسميَّين الوزير فادي عبود والوزير السابق ماريو عون. بعض الثغر في التنظيم كان سببها عدم تأكيد الحضور. بعضهم أتى متأخرا يريد الجلوس في الصف الاول. «أهلا وسهلا بالرفاق»، حمل الامين العام ميشال الخوري الكراسي لهؤلاء. لم يمر الامر من دون «أفأفة» المحامية الفرنكوفونية، التي لن تلتقطها كاميرات البث المباشر، غير مدركة أن قناتها المفضلة (تلفزيون آل المر) لم تنقل الحدث أصلا، في رسالة قرأها أحد المسؤولين بلغة سياسية ــ قواتية. سيبدأ المهرجان بعد دقائق وما زالت ثلاثة كراس فارغة. ما ان يكشف عريف الاحتفال عن هوية الواصل الاول حتى تبدأ الاعلام بالرقص على وقع اسمه. محبوب حزب الكتائب هنا، مستحيل ألّا تراه في عيونهم وصيحاتهم، سامي الجميل هنا. لم يترك أحدا الا قبّله، أما العناق، فلذة لم ينلها الجميع. الاعلان عن وصول أمين الجميل وزوجته لم يكن بالزخم ذاته. هتفوا لهما، نعم، إلا أن نظراتهم لم تبرق وهي تراقب دخولهما. هما ليسا من يريده الكتائبيون. «عا دعسات» سامي صعد أمين وألكسندر (ولدا بيار الجميل) المسرح. كلمات بسيطة استغلها النائب المتني بين ابني شقيقه ليكون له دور في الاحتفال. «الشهيد في حزب الكتائب يحيا الى الابد»، قالها بصوت عالٍ، قبل أن يضيف «كل واحد هنا اسمه بيار، كلما قتلوا أحداً منا كبرت الصالة أكثر». طلب من الجميع انشاد نشيد الكتائب، قبل أن يضغط ثلاثتهم على الزر الاحمر ليظهر على الشاشات النصب التذكاري للوزير على مدخل نفق نهر الكلب. سكت الجميع، وتكلم بيار. دموع ألكسندر «حننت» قلب ستريدا جعجع التي قدمت إليه منديلا. المتكلم الثاني ربيع بطرس خوند. بعبارات ركيكة ولغة عامية قارب خوند بين الواقع في المناطق المسيحية والمخطوفين منها (مثل والده)، والضاحية الجنوبية لبيروت ومخطوفي أعزاز.

ثلاثة أهداف أراد الكتائب التركيز عليها البارحة: الحشد، استشهاد بيار، والتذكير بالمؤسس بيار. ووفاءً للاخير كان الفيديو الثاني. ليقدم بعدها رئيس تحرير صحيفة «اللواء» صلاح سلام عرضا مملا لتاريخ الكتائب، دفع بالكثيرين الى مغادرة القاعة. لم يشفع له انه يمثل «البيروتية السياسية»، التي أتت مرة جديدة لتتلو فعل ندامة عن وقوفها خلال الحرب الأهلية في وجه مشروع الكتائب.

التعددية، الحياد والمركزية فسرها الكتائب بفيديو رسوم متحركة. أما الختام، فمع الجميل الاب. حزب الله حاضر في صلب هذه الكلمة. هو «خارج عن المنظومة اللبنانية»، والجميل يريد تغيير هذا الواقع. لا يخطئنّ أحد العنوان، «فالكتائب حزب الشهداء لا حزب السلاح...نحن جماعة لا ترهبها التصاريح ولا الصواريخ ولا السيوف». جدد الرهان على «الكيان والوطن»، قبل أن يفتح نيرانه باتجاه حزب الله «ما باله يرفع صوته باتجاه شركائه في الوطن؟». يحذّر الرئيس الأسبق للجمهورية من أن «التفرد بتقرير مصير اللبنانيين غير مقبول». رأى أن الحلول للازمات اللبنانية «موجودة من خلال الدولة وآلياتها الديموقراطية». انتقد التطورات التي طاولت النظام اللبناني، وقال إن الخروج من الازمة يجري عبر «تأليف حكومة قادرة، معالجة قضايا الناس، وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري». أما مواصفات الرئيس، ففصلها أمين الجميل على قياسه: «ملازم لنهائية الوطن، يدرك أبعاد الصراع الاقليمي، يقدم خطة انقاذ للبلاد، قراره مستقل». ما كان ينقص الشيخ أمين إلا أن يجتمع مجلس النواب «على الحارك» في البيال، وينتخبه رئيساً من جديد.