انشغل العالم في نهاية الأسبوع الماضي بالاتفاق «المرحلي» التاريخي الذي وُقّع في جنيف بين مجموعة دول 5 1 وإيران الذي توّج مفاوضات شاقة وعسيرة خلال عقد من الزمن تخلّله الكثير من الخضّات السياسية والعسكرية في المنطقة وسط أجواء انعدام الثقة بين المفاوض الإيراني من جهة والمجموعة الغربية والولايات المتحدة من جهة أخرى.

ويلفت المتابعون للشأن الإيراني إلى أن وصول الشيخ حسن روحاني إلى سدّة الرئاسة في الجمهورية الإسلامية قد أعلن بدء انطلاقة مرحلة جديدة في العلاقات بين إيران والغرب تمخّضت أولى ثمارها في هذا الاتفاق النووي المرحلي وما كان ليحصل هذا إلا نتيجة توافر ظروف عدّة وعوامل داخلية بالنسبة لإيران وأخرى خارجية تتعلق بما يجري في المنطقة وخصوصاً في دول ما يسمى بـ»الربيع العربي».

فعلى الصعيد الداخلي الإيراني أدركت الجمهورية الإسلامية أن اللحظة المناسبة لخوض غمار التفاوض الدبلوماسي مجدٍ بعد الترحيب الذي قوبل به انتخاب الشيخ روحاني واللهجة الدبلوماسية المنفتحة التي خاطب بها الغرب والتي فتحت «شهيتهم» على التمسك بها وتحقيق تقدّم ما «يكسر» الدائرة الإيرانية النووية المقلقة لهم ولـ»إسرائيل» تحديداً كما أن الإحساس بثقل ووطأة العقوبات الاقتصادية على الشعب الإيراني كان الدافع لهذه «المرونة» في التعاطي مع ملف المفاوضات بثقة وحزم لافت عزّزته نقاط التقدّم التي ساهمت بها إيران في أكثر من مكان ساخن في المنطقة ما منحها قوة إضافية أنتجت هذا الاتفاق.

وبغضّ النظر عن التفسير والنظرة المتفاوتة - نوعا ماً - لهذا الاتفاق ومحاولة تصويره كانتصار لكل جهة على حساب الأخرى فإن مرحلة جديدة في العلاقات الدولية قد فُتحت بين إيران والغرب قد يكون لها نتائج إيجابية على الوضع العام في المنطقة كما يمكن أن تكون لها تداعيات تفتح باب صراعات جديدة مع المتضرّرين من هذا التقارب وتداعياته وفي مقدّمهم «إسرائيل» ومن يدور في فلكها.

أما «إسرائيل» التي سارعت إلى» نعي» هذا الاتفاق واعتبرته خطأ تاريخياً يعزّز مكانة الجمهورية الإسلامية في المنطقة ويخفّف الضغط عليها من الناحية الاقتصادية ويزيدها قوة في المساحات الضعيفة لديها فلم تقنعها طمأنة الرئيس الأميركي باراك أوباما باستمرار التزامه تجاه «إسرائيل» وهو المغادر للبيت الأبيض بعد حين واللاهث لتحقيق إنجاز سياسي ما يؤرّخ في سجله السياسي بعد فشل الروؤساء السابقين بتحقيق أي اختراق على هذا الصعيد وخصوصاً بعد فشله في تحقيق تقدم ما في ملف التفاوض الفلسطيني «الإسرائيلي» والذي لم تبدِ «إسرائيل» أية مرونة فيه بل على العكس كان الردّ دائماً بموجة جديدة من الاستيطان تنسف بها أية فرصة حل ما أشعر الإدارة الأميركية باليأس من حكومة نتنياهو وأوصل العلاقات بين الحليفين إلى أدنى درجاتها وجعلها تسلك مسلكاً مختلفاً أزعج «إسرائيل» وغيرها من الدول العربية التي تعتبر بأن الولايات المتحدة «باعتها» وتحوّلت صوب إيران.

هي «المصيبة» التي تجمع ما بين غضب الكيان الصهيوني من هذا التقارب بين خصوم الأمس وبعض دول الخليج التي تعتبر بأن ما حصل في جنيف سوف يقوّي من «ساعد» إيران في المنطقة وبالتالي سوف يدعم حلفاءها سواء في سورية أم العراق ام لبنان مع إمكان تقويض «قيادتها المفترضة على هذه المنطقة التي تعتبر إيران دخيلة عليها».

في مقدّمة ردود الفعل على خبر الاتفاق جاء تصريح لأحد المسؤولين السعوديين بأن «النوم سوف يهرب من عيونهم» وهو أصدق تعبير عن السعودية تجاه هذا الاتفاق الذي عادت وباركته المملكة «بخجل» بعدما لم تستطع خرق الإجماع الخليجي حوله وهو البيت المتصدع أصلاً الذي أرغم دولة الكويت على التدخّل لجمع أمير قطر «الفتي» مع الملك السعودي بعد رسائل «الغضب» السعودية من الأداء القطري في مصر واليمن والمعادي كلياً للسياسة السعودية هناك. ومن الطبيعي أن يصبّ هذا التنافر في العلاقات الخليجية بمصلحة طهران والتوجه الجديد في سياستها الخارجية.

وبغض النظر عن ماهية المكاسب التي حصلت طهران عليها من إتمام هذا الاتفاق وتجييره إلى الداخل الإيراني أو من حجم التنازلات التي قدمتها كما يصرّ بعض أخصامها على تصويره - فإن مرحلة انتقالية تمتد لـ 6 أشهر قد تكون امتحان نوايا حقيقي.. وصعب لكل الأطراف إما أن يفتح أفق تسوية كاملة تمهّد لإنجاز سلام حقيقي يضمن تغيير وجوه القيادة في المنطقة وإما انهيار كامل لكل هذا المسار وخصوصاً في ظل وجود أعداء أقوياء ومتربصين ومتضرّرين من تبعات هذه التسوية ويملكون كل مقومات القوة والبطش والنوايا السيئة لتخريبه!.