بدأت المنطقة تشهد تغيرات مهمة على صعيد معالجة الملفات الساخنة، انطلاقاً من الاتفاق الإيراني - الدولي بشأن الملف النووي، ومروراً بالاتفاق الدولي على عقد مؤتمر جنيف-2 الخاص بالأزمة السورية في 22 كانون الثاني من العام المقبل. وبموازاة ذلك بدأت الاتصالات والمحاولات لإعادة إطلاق الحوار السعودي - الإيراني لمعالجة المشاكل العالقة بينهما.

وقد شكلت زيارة الرئيس نبيه بري لإيران محطة مهمة في إطار الدعوة لإعادة الحرارة للعلاقات الإيرانية - السعودية - العربية بعد الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني.

وبانتظار وضوح الرؤية بشأن التطورات الإقليمية والدولية، لا يزال لبنان ينتظر انعكاسات التسويات الدولية على أوضاعه الداخلية، حيث يشتد السباق بين السعي للوصول الى توافق داخلي على مختلف الملفات، وبين الخوف المستمر من تدهور الأوضاع بسبب الصراع في سوريا وتداعيات ذلك على الوضع الأمني. ورغم أجواء التأزم الداخلية، ينشط بعض الأفرقاء اللبنانيين في البحث عن مخارج للأزمة، ومنها السعي للتوصل الى مرشح توافقي للانتخابات الرئاسية المقبلة، لأن من شأن ذلك ان ينعكس ايجاباً على الأجواء الداخلية.

وفي هذا الاطار أشارت مصادر مطلعة الى وجود توافق غير معلن بين الرئيس نبيه بري وبعض قيادات تيار المستقبل على دعم الوزير والنائب السابق جان عبيد ليكون «المرشح التوافقي» والعمل لتسويق اسمه داخلياً وخارجياً، في ظل تراجع احتمالات التمديد للرئيس ميشال سليمان وإمكانية وصول شخصية من قوى 8 أو 14 آذار.

فما هي صورة الأوضاع اللبنانية بعد الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني وتحديد موعد لمؤتمر جنيف-2 الخاص بالأزمة السورية؟ وما هي حظوظ الأستاذ جان عبيد كرئيس توافقي إذا نجحت الجهود في إعادة الحوار السعودي - الإيراني؟

صورة الوضع اللبناني

بداية ما هي صورة الوضع اللبناني في ضوء الاتفاق المتعلق بالملف النووي الإيراني وتحديد موعد لانعقاد مؤتمر جنيف-2 بشأن الأزمة السورية في كانون الثاني المقبل؟

تقول مصادر سياسية مواكبة للملفين الإيراني والسوري «ان الاتفاق على الملف النووي الإيراني والسعي إلى عقد مؤتمر جنيف-2 بشأن الأزمة السورية سيكون لهما انعكاسات مهمة على الوضع اللبناني الداخلي، لأنهما سيعززان خيار الحوار السياسي على خيار التصعيد العسكري في لبنان والمنطقة»، وإن كانت هذه المصادر تشير «إلى وجود عقبات أو مشكلات قد تؤثر سلباً على الوضع اللبناني في ظل استمرار التحفظات السعودية على الاتفاق النووي الإيراني، رغم اعلان مجلس الوزراء السعودي الترحيب المبدئي بالاتفاق، ورغم اعتراض السعودية على عقد مؤتمر جنيف-2، وتصاعد المعارك في سوريا التي يعمل فيها كل طرف لدعم موقعه الميداني قبل انعقاد مؤتمر جنيف-2».

وفي ضوء هذه المعطيات تعتبر المصادر «ان لبنان سيبقى ساحة للصراع والتجاذب ما لم يحصل توافق إيراني - سعودي أو العودة للحوار بينهما، مع امكانية دخول أطراف أخرى على الخط لتصعيد الأوضاع الأمنية إن بسبب الأزمة السورية أو نظراً إلى استمرار التجاذبات الطائفية والمذهبية في لبنان والمنطقة».

لكن هذه المصادر تؤكد «انه مهما بلغت أجواء التصعيد السياسي أو الأمني في لبنان والمنطقة، فإن خيار العودة للحوار السياسي والبحث عن معالجات للأزمة المختلفة سيكون هو الأقوى، ومن هنا لا بدّ من العمل بشكل جدي للبحث عن حلول وتوافقات، إن بشأن ملف تشكيل الحكومة أو العودة إلى طاولة الحوار حول كل الملفات أو الوصول الى توافق بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأنه إذا لم يحصل هذا التوافق فإن الفراغ الدستوري والمؤسساتي سيكون هو الأقوى».

جان عبيد المرشح التوافقي

وبناءً على المعطيات التي تتحدث عنها المصادر السياسية والتي تؤكد «ان خيار الحوار والوصول إلى تسوية سيكون هو الأقوى من العمل للتصعيد»، فإن هذه المصادر «تعتبر ان البحث عن خيار توافقي للانتخابات الرئاسية سيتقدم على خيار التمديد للرئيس العماد ميشال سليمان أو الاتيان بمرشح من قوى 8 أو 14 آذار».

وتشير هذه المصادر «الى وجود توافق غير معلن بين الرئيس نبيه بري ويعض قيادات تيار المستقبل على دعم ترشيح الوزير والنائب السابق جان عبيد كمرشح توافقي، لأنه كان على علاقة جيدة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، إضافة إلى أنه يقف على مسافة واحدة من مختلف الأطراف الداخلية والخارجية».

وتكشف هذه المصادر «عن ترويج بعض الجهات اللبنانية لاسم الأستاذ جان عبيد لدى بعض الأوساط الخارجية، وخصوصاً الأميركية، إضافة للسعي لإزالة بعض المعوّقات من أمام ترشيحه من قبل الأوساط الداخلية وخصوصاً التيار الوطني الحرّ وحزب الكتائب والقوات اللبنانية وحزب الله».

وتضيف المصادر «ان الأطراف المسيحية الثلاثة (التيار العوني، الكتائب، القوات اللبنانية) لا تبدي ارتياحاً لترشيح عبيد لأنها تعتبره مرشحاً ضعيفاً وتسووياً وهي تريد رئيساً قوياً وواضحاً، كما عبر العماد ميشال عون والرئيس أمين الجميل والدكتور سمير جعجع في تصريحاتهم أخيراً. أما على صعيد حزب الله، فليس هناك موقف واضح تجاه ترشيح عبيد، وان كان الحزب تربطه علاقة جيدة به، لكن الحزب يريد مواقف واضحة بشأن سلاح المقاومة وبعض الملفات الأخرى».

فهل تنجح الجهود لتسويق جان عبيد مرشحاً رئاسياً توافقياً وتسووياً؟ المهمة ليست سهلة، وإن كانت غير مستحيلة حسبما تقول مصادر سياسية مطلعة، «وقد تؤدي التسويات في المنطقة الى تعزيز موقعه وترشيحه لأنها قد تمهِّد للبحث عن تسوية للوضع اللبناني والإتيان بمرشح مقبول من الجميع» حسبما تقول المصادر.

وتضيف: «ان القوى اللبنانية، وخصوصاً الأطراف المسيحية الثلاثة (تيار، كتائب، قوات) لن تقبل بسهولة ترشيح عبيد لأنها تريد رئيساً قوياً وله علاقة جيدة بها، لذا ستعمل لمنع الوصول الى هذا التوافق، إلا إذا حصلت ضغوط خارجية قوية تدعم هذا الترشيح، وهذا ما تسعى إليه الأطراف الداعمة لجان عبيد». إذن ستكون الأشهر القليلة المقبلة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية مليئة بالأحداث والتطورات، إن بشأن الملف النووي الإيراني أو الملف السوري أو العلاقات بين إيران والسعودية والدول العربية، وكل ذلك سيظهِّر بوضوح صورة الانتخابات الرئاسية اللبنانية.