حوار صريح ومباشر دار على العشاء الذي جمع الرئيس أمين الجميّل والسفير الايراني غضنفر ركن آبادي، وسط ردود فعل لدى شخصيات في قوى 14 آذار عن توقيت العشاء وملابساته

في 20 تشرين الأول عام 2010، لبّى الرئيس أمين الجميّل دعوة السفير الإيراني غضنفر ركن آبادي الذي كان قد عُيّن في لبنان قبل اشهر قليلة، الى مأدبة عشاء في مقر السفارة الايرانية. لم يُثر العشاء يومها، على اهميته، ردود فعل كما حصل امس بعدما صدر بيان مشترك عن العشاء الذي جمع الجميّل مجدداً مع ركن آبادي منذ عام 2010 والسفير الايراني ـــ العالم تماماً بأحوال لبنان وسوريا، حين كان مدير دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الإيرانية وقائماً بأعمال بلاده فيهما ـــ يبدي اهتماماً لافتاً بحزب الكتائب. والكتائب بدورها لم تقطع التواصل من ضمن سياسة عامة قال عنها أخيراً الرئيس أمين الجميّل في ذكرى تأسيس الحزب «هدفنا إنقاذ لبنان، سلوكنا التعالي عن الانقسام، وسيلتنا الحوار، سلاحنا الموقف، ومشروعنا الدولة».

رسم الجميّل خلال خطابه الذي دخل بموجبه لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية وأثار انتقادات حادة لدى بعض شخصيات 14 آذار وجمهورها، معالم المرحلة الجديدة للكتائب خارج الاصطفافات قائلاً: «لا جديد لدينا نقدمه من خلال متاريسنا الحالية؛ لأن بعضنا تحول، بفعل التورط الخارجي والانحياز، جزءاًَ من الأزمة، فيما يجب أن نكون كلنا شركاء حل». في ظل هذا المنحى يدرج لقاء الكتائب بالديبلوماسية الايرانية بحسب الاجواء الكتائبية، في ظل علامات الاستفهام الكثيرة حول المغزى منه وتوقيته المحلي، بعد خطاب البيال الرئاسي، ومع استمرار تدخل حزب الله في سوريا، وتوقيته الاقليمي غداة توقيع ايران الاتفاق النووي.

يدرك الحزب تماماً ما قيل وسيقال عن العشاء غير السري، والجميّل الذي زار بكركي امس، لا يضع نفسه في خانة الدفاع عن النفس ولا التبرير امام اقرانه في «ثورة الارز»، ولا سيما انه كان في العشاء وبحسب الأجواء الكتائبية متحدثاً باسم هذه «الثورة» ومبادئها.

تشير المعلومات المتوافرة الى انه خلال الزيارة التي قام بها السفير الايراني للجميّل قبل نحو شهرين، جرى عرض مفصل وصريح للوضع الداخلي ودور حزب الله في سوريا، وتخللها تفاهم على ضرورة التواصل والحوار بين الطرفين. وبعد الانفجار الذي استهدف السفارة الايرانية اتصل الجميّل بركن آبادي مهنئاً بسلامته ومعزياً بضحايا الانفجار. وابدى السفير الايراني رغبته في استمرار التواصل مع الجميّل بما يتعدى الاطار البروتوكولي وجرى الحديث بعدها عن دعوة الى العشاء. وغداة مهرجان ذكرى بيار الجميّل الذي حضره السكرتير الاول في السفارة الايرانية، وجه السفير الايراني دعوة الى رئيس الجمهورية السابق وتحدد الموعد وفقاً لذلك. وتبعاً لذلك، لم يكن العشاء وليد صدفة أو بروتوكولياً محضاً، لكن بدا ـ بحسب المعلومات ـ أن الدعوة خيار مدروس وسياسي؛ اذ نقل فيه السفير الايراني تحية «القيادة الايرانية» للجميّل ومواقفه وكذلك اعجاب الديبلوماسية الايرانية بالمهرجان الكتائبي الأخير والحشد الرسمي والشعبي الذي حضره. وكذلك اشادت بدور الجميّل وقدرته على خلق مناخ جديد في العلاقات المحلية وبين لبنان ومحيطه وبين المسيحيين ومحيطهم.

تناول الحديث عناوين عدة، منها الوضع السوري واتفاق جنيف النووي. وعرض السفير الايراني تطورات الوضع في المنطقة بعد اتفاق جنيف النووي واشار الى ان ايران لم تنظر اليه كانتصار ولا كهزيمة، ولا كغالب ومغلوب، بل من موقع قدرتها على التموضع في اللعبة الدولية الاقليمية. وهي تالياً لم تخضع لأي شروط لخفض التخصيب، لانها سبق ان اعلنت اكثر من مرة انها ليست في وارد السعي الى امتلاك قنبلة نووية، بل هدفها الطاقة النووية لغايات سلمية وحيوية. وفي معرض الحديث ايضاً، تأكيد ايراني ان لا بنود سرية للاتفاق جدية الاتفاق النووي وسلوكه طريق التنفيذ، ما ينعكس ايجاباً على دول المنطقة ولبنان من ضمنها.

اما عن الوضع السوري، فأكد أنه يميل إلى مصلحة النظام وان الحل في سوريا يمكن في الاتفاق السلمي وان الاطار المناسب لذلك هو عقد جنيف 2، لا ان يكون الهدف منه تأمين انتصار المعارضة السورية.

لبنانياً، أكد ركن آبادي استعداد ايران لأي مبادرة تطلب منها لتعزيز الاستقرار والوحدة الوطنية اللبنانية والعلاقات الداخلية، رغم ان ايران تفضل ان يكون الحوار الداخلي مباشراً بين الاطراف المحليين، الا انها مستعدة لأي دور يطلب منها. اما بالنسبة الى التفاهمات بين ايران ودول المنطقة، ومنها السعودية، فهي مهمة، لكن حصولها لا يعني ان مشاكل لبنان قد حلت، وهي يجب ان تحل في الاطار الداخلي.

الجميّل: الانفتاح تحت سقف الثوابت

لم يدخل الجميّل في تفاصيل الوضع الداخلي، بل حدد عناوين عريضة، وأيد تقارب ايران مع المجتمع الدولي؛ اذ حان الوقت كي تتحرك من ضمن الشرعية الدولية وتنسق مع المجتمع الدولي ولا يجوز استمرار حال العدائية بينهما، مؤكداً تشجيع هذا التقارب لما له من انعكاسه على لبنان.

وتحدث الجميل عن ثوابت قوى 14 آذار ودور الكتائب ورؤيتها لحياد لبنان، وشرح ما يقوم به الحزب لتأمين الحياد وان الحزب لا عقدة له تجاه اي طرف والحوار مع اي طرف ضمن ثوابت حزب الكتائب والهدف عدم السماح بوقوع لبنان ضحية وسط التجاذبات الاقليمية. ولفت الى أن الانفتاح لا يعني المساومة على ثوابتنا ومبادئنا وعلاقاتنا مع الشرق والغرب. واكد ان العمل اليوم يجب ان ينصبّ على انقاذ لبنان، لأن المطروح هو مصلحة لبنان ومصيره لا مصلحة الاحزاب. واكد الجميل الانفتاح على ايران دولةً تاريخية بغض النظر عن نظامها القديم او الجديد، مدنياً أو دينياً، فهي لها وجودها ومكانتها ومن الخطأ تجاهل دورها، لكن هذا لا يعني ان الحوار معها يغير من قناعات حزب الكتائب. وشدد على ان طهران تستطيع ان تؤدي دوراً إيجابياً وأساسياً من خلال علاقاتها مع حزب الله لخلق مناخ هادئ ووفاقي لتسهيل حل المشاكل الراهنة، ومنها تشكيل الحكومة والاستحقاق الرئاسي وحتى في الوضع السوري.

السفير الايراني الذي لم يدخل ايضاً في تفاصيل الوضع اللبناني، ايد مقاربة الجميّل، لكنه بدا ميالاً الى الحرص على ان يكون الحوار مباشراً بين اللبنانيين، مبدياً تأييده لحكومة تجمع جميع الاطراف وعدم طرح شروط تعجيزية لتشكيلها. وأكّد ضرورة احترام المهل الدستورية وإجراء الاستحقاق الرئاسي، لافتاً الى ان بلاده رغم كل ما مرت به، لم تتخلف يوماً عن اجراء اي انتخابات واحترمت كل استحقاقاتها.

يدرك الطرفان حساسية الكلام على وجود حزب الله في سوريا. فالجميّل يؤيد عدم تورط اي طرف لبناني في سوريا والتزام الجميع الحياد التام. وهو يدرك ايضاً ان المطالبة بسحب حزب الله من سوريا لتشكيل الحكومة، تعني عدم الجلوس مع الحزب على طاولة الحوار ولا في مجلس النواب.

في عام 2010 لم تكن الظروف مواتية كي يذهب الطرفان الى ما هو ابعد مما حصل بينهما في حينه. اليوم اتفق الطرفان على التواصل، والظروف كلها تغيرت، فإيران تدخل الى الساحة الاقليمية بغير ما كانت عليه قبل اعوام، ولبنان على ابواب استحقاقات رئاسية بدا الجميّل من البيال احد الذين يدخلونها بجدية تحت شعار حياد لبنان. ويبدو أن في اجندة الكتائب عناوين كثيرة للمرحلة المقبلة، ولا تنوي ان تقفل الباب على نفسها وعلى علاقتها مع اي لاعب مؤثر، ولا سيما طهران حين ترى ان الدول الكبرى تعقد اتفاقات علنية وتاريخية معها.