أثيرت خلال الأحداث الأخيرة التي يمر بها العالم العربي الكثير من المفاهيم الإسلامية تحت عناوين مختلفة، بغرض جذب الشباب المسلم للقيام بأعمال قد تكون مخالفة لتعاليم الدين، لكن إعطاءها هذا اللباس من قبل بعض الجهات يمنع الكثيرين من الغوص فيها بشكل دقيق.
الشهادة هي من بين هذه المفاهيم التي تطرح بشكل واسع في هذه الأيام، لكن هناك من بات يحصرها بالسعي إلى الكسب الجنسي، بالرغم من أنها مختلفة كلياً عن ذلك، من خلال تصوير أن الهدف منها الوصول إلى الحور العين فقط، مع ما يثيره هذا الأمر من أسئلة بدأت تُطرح من باب السخرية والإستهزاء.
الشهادة في الإسلام
في بداية البحث في هذا الموضوع، ينبغي التطرق إلى مفهوم الشهادة في الإسلام قبل أي شيء، ومن هذا المنطلق يوضح الشيخ وسيم المزوق أن لها صورًا عديدة وأعلى صورها القتل في سبيل الله، وفيها يقول الله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يرزقون فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه) (آل عمران: 169-170).
ويلفت الشيخ المزوق، في حديث لـ"النشرة"، أن الشهيد هو "القتيل مِن المسلمين الذي يقعُ شهيداً في المعركة وهو يُقاتِل في سبيل الله، فهذا هو الشَّهيدُ حقيقةً الذي له الأجر العظيم عند الله"، ويضيف: "قال ابن الأنباري وسمي الشهيد شهيداً: لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة. وقيل لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة. وقيل: لأنه يشهد له بالأمان من النار".
ويشير الشيخ المزوق إلى أن "الشهيد في هذه الحالة لا يُغسل، ولا يُكفَّن، ولا يصلى عليه ويُدفن في ثيابه التي تَضمَّخت بالدِّماء الزَّكيَّة، وهذه أحكام خاصة بالشَّهيد الذي يقتل في أرض المعركة وهو يقاتل الكفار المعتدين والبغاة الظالمين، وهذا يسمى شهيد دنيا وآخرة".
ومن صور الشهادة التي أجرها في الآخرة، صاحبها يسمى شهيد آخرة، أي يغسل ويكفن ويصلى عليه وله أجر وثواب الشهادة في الآخرة، فهو المسلم الذي يموت غرقاً أو حرقاً أو هدماً، أو من قتل وهو يدافع عن أهله أو ماله أو نفسه". أما الصورة الأخيرة فهي شهادة المنافق، ويسمى شهيد دنيا، أي يعامل في الدنيا معاملة الشهيد، ولكن في الآخرة يؤخذ الى النار لأنه أظهر الاسلام وأخفى كفره أو لأنه قاتل لغير الله.
حور العين والمفاهيم الخاطئة
على صعيد متصل، هناك أمور غامضة بدأت تثير حولها علامات إستفهام، لا سيما حول الطريقة التي يتم تناولها فيها عبر وسائل الإعلام، خصوصاً موضوع حور العين الذي بات يضع الشهادة في سياق السعي إلى الكسب الجنسي بطريقة غريبة جداً.
حول هذا الموضوع، يوضح الشيخ المزوق أن للشهيد أجورًا عظيمة عند الله، كدخول الجنة ومغفرة الذنوب والحور العين، لكنه يشدد على أن ذلك يستوجب أن تكون نيته نصرة دين الله ورفع راية الإسلام لا أن تكون الغاية فقط التنعم بالحور العين كما يصور الاعلام اليوم.
ويؤكد الشيخ المزوق أن هذا الأمر يشوه صورة الشهيد الحقيقية في الاسلام، حيث يظهر للرأي العام أن الشهيد يبحث عن اللذة والشهوة، في حين أن هذا غير صحيح لأنه يبحث عن مرضاة الله ولا يقتل الأبرياء بل يقاتل المعتدين الظالمين السافكين للدماء، أما الحور العين والنعيم في الجنة فهو الثواب والأجر العظيم الذي أعده الله للشهداء في الآخرة.
من جانبه، يوضح رئيس تجمع العلماء المسلمين الشيخ حسان عبدالله أن موضوع الحور العين وارد في الأحاديث والروايات والنصوص القرآنية، وهي ليست للإنسان المستشهد فقط بل لكل مؤمن يدخل الجنة، ويشير إلى أن هذا من الأمور الغيبية التي لم نطلع عليها بالمعنى الكامل، حيث قال الله تعالى بحسب الأحاديث: (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَىَ قَلْبِ بَشَرٍ).
ويشير الشيخ عبدالله، في حديث لـ"النشرة"، أن هذا الموضوع يطرح في هذه الأيام من باب الترغيب للشبان الذين يقومون بالعمليات الإنتحارية، ويعتبر أن هناك إستغلالاً للجانب الجنسي الذي هو طمع عند البعض، ويلفت إلى أن البعض بدأ يأخذ الموضوع من باب الإستهزاء والسخرية، في حين أن هذا لا يجوز بأي شكل من الأشكال، ويشدد على ضرورة مواجهة الإستغلال الديني الذي يحصل.
وفي هذا السياق، يتطرق الشيخ عبدالله إلى ما يجري حالياً من عمليات يؤكد أنها انتحارية لا استشهادية، حيث يشدد على أن الجهاد يكون ضد عدو واضح في حين أن القتال بين المسلمين ليس كذلك، ويستند في حديثه إلى قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (سورة الحجرات: 9).
من ناحية أخرى، يوضح الشيخ عبدالله أن الذهاب إلى العمليات الإستشهادية في لبنان، خلال محاربة الجيش الإسرائيلي، لم يبدأ إلا بعد أخذ الحكم الشرعي بالرغم من أنها قتال في سبيل عدو واضح يحتل الأرض ويقتل الشعب، في حين أن العمليات الإنتحارية التي تحصل حالياً لا يمكن تبريرها.
في المحصلة، هناك الكثير من المفاهيم الأخرى التي ينبغي البحث بها أيضاً من قبل أهل العلم، والتي تطلب بذل الجهود من قبل المراجع المختصة كي لا يُستغل الشبان تحت عناوين دينية في غير موقعها الصحيح، وكي لا يتم طرح ثوابت دينية من باب السخرية والإستهزاء كم هو حاصل حالياً.