لم يعد أحد يتردد بأن الأجهزة الأمنية في طرابلس بحاجة إلى «نفضة» بعد المؤشرات على تغطية المطلوبين، ما يعزز التنسيق الكامل بين الأجهزة

أقفلت الجولة الـ18 من الاشتباكات في طرابلس على 14 قتيلاً و112 جريحاً، لكنها فتحت في المقابل أسئلة كثيرة أبرزها اثنان: الأول عن مصير الخطة الأمنية بصيغتها الجديدة، والثاني، هل الاشتباكات الأخيرة ستكون خاتمة الجولات، أم ستمهّد الطريق للجولة الـ19؟

الانطباع على الأرض يقول إن «الصيغة الجديدة» للخطة الأمنية لطرابلس مغايرة لما كان يحصل في السابق. والأهم فيها وضع جميع الأجهزة الأمنية تحت «إمرة» الجيش، وهو ما اعتبرته مصادر سياسية طرابلسية «خطوة متقدمة»، لأنه «ينهي الشكاوى السابقة عن عدم وجود تنسيق كافٍ بين الأجهزة الأمنية المعنية، وأحياناً تضاربها، إلى حدّ أن كل جهاز أمني كان فاتحاً على حسابه».

الغرفة الأمنية المشتركة التي باشرت عملها أمس، أعطت مؤشرات إلى أن معالجة الوضع الأمني في طرابلس جدّية هذه المرّة وأن جميع القوى والأجهزة الأمنية على المحك، لأن نجاح الخطة يعني نجاح كل هذه الاجهزة، أما فشلها فيعني سقوطها كلها أيضاً.

فعلى عكس الجولات السابقة التي كان يعقبها انتشار أمني على خطوط التماس وعلى المحاور، وإقامة نقاط أمنية وحواجز فحسب، من دون الاقتراب من «المحرمات» التي كان يضعها المسلحون وقادة المحاور من طرفي النزاع في باب التبانة وجبل محسن في وجه الجيش والقوى الأمنية، قام الجيش في الساعات الـ48 الماضية بخطوات لافتة.

فقد شرع عناصر الجيش بسرعة وحزم في إزالة دشم ومتاريس رفعها مسلحون على خطوط التماس، وأوقف مطلوبين بعدما دهم مقارهم وصادر منها كميات من الأسلحة والذخائر، كما تمركز في نقاط «استراتيجية» كان مسلحون من الجانبين يستخدمونها في القنص على نحو خاص.

أسهم كل ذلك في عودة الحياة إلى طبيعتها في عاصمة الشمال، ففتحت المدارس والجامعات والمحال التجارية أبوابها باستثناء الواقعة منها على خطوط التماس وفي المناطق الساخنة، التي تحتاج إلى مزيد من الوقت لالتقاط أنفاسها مجدداً.

لكن القلق من احتمال أن تلقى الخطة الأمنية بصيغتها الجديدة مصير سابقاتها، دفع مصادر أمنية إلى التوضيح لـ«الأخبار» أن «انقضاء مهلة 3 أشهر، من فترة الأشهر الستة التي أعطيت للجيش لتنفيذ الخطة بعد وضع الأجهزة الأمنية تحت إمرته، من دون حصول اضطرابات أمنية، وبقاء الوضع مضبوطاً وتحت السيطرة، يعني أن الخطة نجحت بنسبة تفوق 80 في المئة، لأن زخم الخطة في مراحلها الأولى سيتراجع لاحقاً لا محالة».

وتحدد المصادر 3 خطوات رئيسية «يجدر بالجيش والقوى الأمنية اتخاذها تأكيداً لصدقيتها ولكي تعتبر الخطة ناجحة»، الأولى «توقيف المطلوبين من كلا الجانبين وسوقهم إلى العدالة، خصوصاً المتهمين بتفجيري مسجدي التقوى والسلام، والمتهمين بالاعتداء على مواطنين علويين».

أما الخطوة الثانية فهي «تأمين غطاء سياسي واسع للجيش يكفل له التحرك بارتياح للقيام بمهمته»، والثالثة « تعاون الأجهزة الأمنية في ما بينها بشكل فعّال وجدّي، بعيداً عن الاعتبارات السياسية والشخصية وسواها».

غير أن كل ذلك لا يمنع المصادر الأمنية من التأكيد أن «اندلاع 18 جولة من الاشتباكات في طرابلس منذ أحداث 7 أيار 2008، منها 13 منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة مطلع عام 2011، يعني بكل بساطة أن الأجهزة الأمنية في المدينة قد فشلت في المهمات الموكلة إليها، بشكل أو بآخر».

المصادر الأمنية التي ترفض الدخول في بازار الأسماء تقول إن «مرجعيات الأجهزة الأمنية تعرف جيداً من قصّر من ضباطها وعناصرها في طرابلس، ومن كان أداؤه جيداً»، داعية هذه المرجعيات إلى إجراء «مناقلات واسعة، من أجل إعطاء زخم جديد للخطة الأمنية وضخّ دماء جديدة فيها، وأن الفرصة متاحة اليوم للقيام بذلك أكثر من أي وقت مضى». وسادت شائعات أمس طرابلس تحدثت عن تغيير طرأ على رأس بعض الأجهزة الأمنية العاملة في المدينة، وجرت مناقلات «مهمة» قضت بنقل ضباط إلى مناطق أخرى وتعيين آخرين مكانهم، تزامناً مع بدء تطبيق الخطة الأمنية الجديدة. لكن تبيّن أن هذه الشائعات غير صحيحة، لكنها تستند إلى التغيير الذي طرأ على رأس فرع المعلومات في الشمال، قبل بدء جولة الاشتباكات الاخيرة. وتم إقصاء العقيد شئيم عراجي عن رئاسة فرع المعلومات في الشمال، ليحل في مكانه المقدم محمد العرب، الذي كان يتولى رئاسة مكتب مدينة طرابلس في الجهاز نفسه.

ولم تتردد المصادر الأمنية في كشف بعض الوقائع والمناقشات التي كانت تجري بين مسؤولي الأجهزة في طرابلس في أعقاب كل جولة اشتباكات، حيث أن تبادلاً للتهم كان يحصل بين كبار الضباط، ما أدى أحياناً إلى انسحاب بعضهم احتجاجاً من الاجتماعات، بعدما وُجّهت إلى عدد منهم اتهامات بأنهم يرعون مجموعات أمنية ويوفرون لها غطاءً أمنياً».

وتوقفت المصادر، من باب تأكيد رأيها، عند تصريح مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، عن أن «مرجعية» المجموعات المسلحة هي الأجهزة الامنية، وهو ما استشهد به أول من أمس الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لتخلص إلى أن تدهور الوضع الأمني في طرابلس سابقاً «لا يتحمله فقط مسلحون استباحوا المدينة، ولا سياسيون فاشلون استغلوا هذه المجموعات لغايات سياسية وانتخابية وشخصية، بل أيضاً ضبّاط وقادة أمنيون لم يقوموا بمهماتهم كما يجب».