مشهدان أو "حادثان" خرقا خلال الساعات الماضية "الجمود" الطاغي على الحياة السياسية اللبنانية، تزامنًا مع الهدوء النسبي الذي بات يسود محاور القتال "الطرابلسية"، هدوءٌ يخشى كثيرون أنه سينتهي عمّا قريب طالما أنّ أيّ حلّ جذري لم يحصل بعد..

وإذا كان المشهد الأول بات "مكرَّرًا" وهو الذي يتجسّد كلّ عام تزامنًا مع "أول شتوة" من الطراز القوي، فإنّه يعود دائمًا ليذكّر اللبنانيين بطبيعة "الدولة" التي يعيشون في كنفها، دولة قائمة على عنصر "المفاجأة"، وهي التي بدت بالأمس وكأنّها لم تكن تتوقّع هطول الأمطار في شهر كانون الأول، أو كأّنها لم تكن تعرف سلفًا تداعيات هذه الأمطار على حياة المواطنين وأعمالها..

أما المشهد الثاني، والذي تمثل بعودة لغة "الاغتيالات" لتسود الساحة اللبنانية مع الاستهداف "المفاجئ" للقيادي في "حزب الله" ​حسان اللقيس​، فبدا "الأخطر"، خصوصًا في ضوء "فوضى" إعلانات "التبنّي" التي تنافست عليها مجموعاتٌ لم يكن أحدٌ قد سمع بها سلفًا، وبأسماءٍ تحاول إعطاءها صبغةٍ "مذهبية" قد تساهم في تسعر نار "الفتنة" الكامنة تحت الرماد..

حسان اللقيس هدفًا..

مفاجئٌ بدا البيان الصادر عن "حزب الله" صباح يوم الأربعاء، بعد ساعاتٍ قليلةٍ على المقابلة المطوّلة للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله والتي أطلق فيها مواقف متعدّدة الاتجاهات، وبدت "نارية" بالنسبة للبعض. لكنّ البيان أتى ليتحدّث عن "اغتيالٍ" وقع عمليًا بعد أقلّ من نصف ساعة من المقابلة، ولقياديٍ لم يكن الكثير من الناس يعرفون موقعه داخل الحزب، هو حسان اللقيس، الذي تبيّن بحسب المعلومات أنه من "الأدمغة اللامعة" داخل جسم "المقاومة" التي انضمّ إليها منذ بداياته، ووُصِف أنّه مبدعٌ في ميدان الصراع التكنولوجي مع إسرائيل، حتى أنّه تردّد أنّ "طائرة أيوب" الشهيرة تحمل بصماته.

وفيما سارع "حزب الله" إلى تحميل مسؤولية الاغتيال إلى إسرائيل بشكلٍ مباشر، وهي التي حاولت اغتيال اللقيس أكثر من مرّة في السابق، الأمر الذي رفضته الأخيرة، ولو أنها لم تخفِ "فخرها" بالعملية التي وصفتها بـ"النظيفة والحرفية" والتي شكّلت "الضربة الأقسى" لـ"حزب الله"، فإنّ ما استوقف المراقبين هو "فوضى التبنّي" التي تنافست عليها مجموعاتٌ غيرُ معروفة على غرار "لواء أحرار السّنّة بعلبك" و"كتيبة أنصار الأمّة الإسلامية" التي تلقت "النشرة" بيانًا منها عبر بريدها الإلكتروني، تتّهم فيه اللقيس بأنه المسؤول عمّا أسمته "مجزرة القصير".

وفي وقتٍ لوحظ ان رئيس الجمهورية ​ميشال سليمان​ ادرج الجريمة ايضاً في "خانة الاهداف الاسرائيلية لتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية"، على الرغم من ان أي رواية امنية لملابسات الاغتيال لم تصدر بعد عن الجهات الامنية والقضائية الرسمية، ذكرت المعلومات المُستقاة من "المصادر" أنّ شخصين اثنين قد أطلقا رصاص "كاتم الصوت" على اللقيس، فيما تولى آخرون الرصد والاستطلاع، وهي المرّة الأولى في تاريخ "الصراع" التي يُعتمَد فيها على "كاتمٍ" للصوت.

سليمان مدافعًا عن السعودية..

وبعيدًا عن حادثة اغتيال اللقيس، بقيت المقابلة المطوّلة للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله محور المواقف، وقد استوقف المراقبين الردّ اللافت الذي صدر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على السيد نصرالله، ولو لم يسمّه، حيث شدّد سليمان على أنه "لا يجوز ان نفسد علاقاتنا التاريخية مع دولة عزيزة وشعبها من طريق توجيه التهم جزافاً اليها من دون أي سند قضائي او حقيقي او ملموس او عبر التدخل في أزمات دولة اخرى لمناصرة فريق ضد آخر". وفي حين لم يصدر أيّ موقف عن "حزب الله" من الردّ الرئاسي، لفت ما قاله عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب كامل الرفاعي، في حديث لـ"النشرة"، لجهة أنّ الرئيس سليمان ربّما "استشف من حديث السيد نصرالله بأن حزب الله لن يسير بالتمديد ما أثار غيظه"، مشيرًا إلى أنّ سليمان "يدغدغ نفسه بالتمديد بالرغم من إعلانه عدم رغبته بذلك".

إلى ذلك، بقيت قضية راهبات معلولا المحتجَزات محور متابعة واهتمام نظرًا لحساسية وخطورة هذا الموضوع، وقد برز في هذا السياق النداء الذي وجّهه البابا فرنسيس من اجل الراهبات ومن اجل "كل الاشخاص الذين خطفوا بسبب النزاع" في هذا البلد، وهو الموقف الذي عبّر عنه أيضًا المطارنة الموارنة بعيد اجتماعهم الشهري، حيث ناشدوا الاسرة الدولية معرفة مصير هؤلاء المخطوفين واعادتهم الى حرمة الدير والعمل الجدي على ايجاد الحلول السياسية العادلة للنزاعات القائمة.

كلمة أخيرة..

مشهد الفيضانات داخل بيروت، معطوفًا على زحمات السير الخانقة، لم يعد مجرّد مشهد مرفوضٍ ومُستنكَر، في عزّ كانون..

مشهد الأمس هو مشهدٌ معيبٌ بحق الدولة اللبنانية، إن كان هذا الوصف أصلاً يليق بها، دولة باتت قائمة على التقصير الفادح، ولا تقوم بالحدّ الأدنى من واجباتها تجاه مواطنيها..

لا الأمطار التي تأخّرت عن موعدها أتت مفاجئة، ولا تداعياتها المتوقعة أتت صاعقة.. بل إنّ "وقاحة" هذه الدولة في التمادي بارتكاب نفس "الأخطاء القاتلة" سنويًا بات هو "الصاعق"!