بات في حكم المؤكد ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي يعمل جاهداً لانضاج فكرة عودة اجتماعات جلسات مجلس الوزراء، الامر الذي يعيد الروح الى هذه المؤسسة بعد استقالة رئيسها. وكان قد بلور هذا المسعى مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان لأن الاثنين لمسا رزمة من الملفات والقضايا التي تعني المواطنين مباشرة وتطاول مسار حياتهم اليومية في ظل الفراغ في عدد لا بأس به من الادارات. وثمة وقائع عدة وأمثلة تشهد على هذه الفوضى وعدم السهر على المال العام والعمل من أجل المصالح الخاصة على حساب عمل الدولة.

ومن مفارقات تصريف الاعمال الذي تمارسه الحكومة المستقيلة ان رجل اعمال أخبر أحد المراجع ان مشروعاً نفذه ولم يبصر النور قبل أن يدفع مبلغ 30 مليون دولار اميركي لأحد الوزراء!

ولم يكشف الشخص الذي دفع هذه الرشوة اسم الوزير حفاظاً على مصالحه الاقتصادية في البلد.

وبالعودة الى "بث الروح" في الحكومة، فإن ميقاتي لم يبحث في هذه المسألة حتى الآن مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهما سيلتقيان في الساعات الـ48 المقبلة بعد عودة الاول من جنوب افريقيا وتقديمه التعازي بالرئيس نلسون مانديلا.

من جهته، لم يعلق بري حتى الآن على خطوة ميقاتي حتى لا يقال انه يقف وراء هذا الطرح، لكنه من حيث المبدأ لا يعارض انعقاد مجلس الوزراء لتسيير أمور المواطنين في اطار تصريف الاعمال ونقاش الملفات التي لا يمكن الهروب منها.

وفي غضون ذلك، تبين لميقاتي ان الأفق أصبح مسدوداً أمام ولادة الحكومة المنتظرة في ظل عدم تمكن الرئيس المكلف تمام سلام حتى الآن من تجاوز "الالغام" الموضوعة في طريقه الى السرايا الحكومية، بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على تكليفه، وفي ظل الخلافات المستفحلة بين فريقي 8 و14 آذار وتباعد مساحات وجهات النظر بينهما، بدءاً من عدم الاتفاق على تقاسم مقاعد الحكومة وصولاً الى مشاركة مقاتلين من "حزب الله" في الحرب الدائرة في سوريا.

ومن الاسئلة التي تطرح بازاء سعي ميقاتي الى جمع طاولة مجلس الوزراء من جديد، هل نسق هذا الامر مع "تيار المستقبل" ولاسيما مع الرئيس فؤاد السنيورة، الذي لم ينقطع منذ اليوم الأول من عمر هذه الحكومة عن كيل الاتهامات والملاحظات لها، حتى موعد استقالتها، فضلاً عن الهجوم اليومي من نواب "المستقبل" وصقوره الذين لم ينفكوا حتى الآن عن مهاجمة ميقاتي، علماً انه لا تنقصه "اللكمات السياسية" التي يتلقاها في الآونة الاخيرة في طرابلس من اللواء أشرف ريفي.

ورغم كل ذلك بقي ميقاتي والسنيورة "يتعايشان" ولم تعرف حتى الآن ردة فعل الاخير اذا انعقدت اجتماعات مجلس الوزراء في القصر الجمهوري او السرايا، واذا حصل هذا الأمر فان ثمة من يرى ان رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" ميشال عون سيكون في مقدم المستفيدين بحكم وجود 10 وزراء من تكتله، وخصوصا اذا كتب لهذه الحكومة المستقيلة الاستمرار وعدم تمكن سلام من التأليف والوصول الى انتهاء ولاية الرئيس سليمان ومغادرته قصر بعبدا وعدم تمكن النواب من انتخاب رئيس جديد.

هذا السيناريو يصب في مصلحة عون، وخصوصا اذا وافق ميقاتي على وضع مرسومي النفط على جدول اعمال مجلس الوزراء، الامر الذي ينتظره الوزير جبران باسيل بفارغ الصبر ويسعى الى تلزيم بلوكات النفط على رغم خلافه حيال هذه النقطة مع الرئيس بري، وهو يستقبله في عين التينة في مطلع الاسبوع الجاري. واذا نجح ميقاتي في خطوته هذه، فانها لن تلقى ترحيباً عند سلام من دون ان يعلن الرجل رسميا عن هذا الامر.

كل هذا يحصل على جبهة 8 آذار وميقاتي، لكن افرقاء 14 آذار بالطبع لن يستسيغوا مشهد التئام الحكومة المستقيلة لو لم تناقش قضايا كبيرة بحكم ملف النفط، لأنهم يرون ان مهمة سلام اصبحت اصعب في ظل تخوف عودة استحضار صورة تجربتي الحكومتين. وسيكون في مقدم من يعارض مسعى ميقاتي الاخير رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي وضع منذ الآن على رأس جدول اعماله استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية مع طلبه الدائم لسليمان وسلام الاسراع في تأليف الحكومة مهما كانت التحديات المنتظرة مع 8 آذار.

وهو في المناسبة دعا بري من معراب الى ان يرافقه اعضاء كتله النيابية الى ساحة النجمة في اليوم الذي يحدده لانتخاب رئيس للبلاد بعد 25 آذار المقبل.

ويرد بري على رسالة جعجع هذه بقوله لـ"النهار" انه لم يدع الى جلسة الا كان نوابه من الحاضرين والمشاركين، وسؤالي له لماذا لا يشارك اعضاء كتلته في الجلسات الاخيرة التي ادعو اليها والتي اتفق اعضاء هيئة مكتب المجلس في حضور ممثلك النائب انطوان زهرا عليها؟".