تتفق القوى المسيحية، على اختلافها، على مسلّمتين حتى الآن: رفض التمديد وضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية. لكن الخلاف بينها لا يزال حتمياً حول شخصية الرئيس العتيد

في اطلالته التلفزيونية الاخيرة، عبّر الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن امله بأن تلتقي قوى 8 آذار وحلفاءها لتدرس ملف الاستحقاق الرئاسي وتتفق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية. بدا كلام نصرالله وكأنه اشارة اولى الى ان الحزب فتح ملف رئاسة الجمهورية بعدما ادلى كل من حليفيه، رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، برأيهما في الاستحقاق وفي النصاب الدستوري لجلسة الانتخاب. لكن الواقع هو أن الحزب، وقبل نحو ثلاثة اشهر من بدء مهلة الاستحقاق، لا يزال منشغلاً بالحرب السورية، وتنحصر أولوياته حالياً، بحسب ما يرى المتصلون به، في وضع سوريا وقتال عناصره فيها. وحتى اليوم، لم يجر اي اتصال بين الحزب وشريكه في ورقة التفاهم، تكتل التغيير والاصلاح، حول ملف الرئاسة. فالعلاقة الثنائية المستمرة عبر القنوات التقليدية بينهما لا تزال على وتيرتها من دون زيادة او نقصان، اي لا عودة الى الاجتماعات الموسعة بل تنسيق بالحد المطلوب في بعض القضايا الاساسية، كما حصل اخيرا مع الحزب والرئيس نبيه بري عندما طرح الرئيس نجيب ميقاتي اعادة تفعيل جلسات مجلس الوزراء.

الا ان ملف رئاسة الجمهورية لم يطرح بعد على طاولة البحث المشترك والثنائي بين القطبين. واذا كان بري يكرر امام من يلتقيه انه لن يقول كلمة في الاستحقاق قبل 25 آذار المقبل، وان محركاته ستدور حينها، يتعاطى تكتل التغيير مع الاستحقاق الرئاسي كأولوية مسيحية ووطنية، وهو يضع هذا الملف فوق كل الملفات الاخرى.

يتفق التكتل مع خصومه المسيحيين على رفض التمديد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان وعلى ضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية. واذا كان يتفق مع حلفائه في 8 آذار على رفض التمديد، إلا أنه، حتى الآن، لا يقارب ملف الرئاسة معهم في صورة شاملة ودقيقة. فالامور لا تزال في اطارها العام، وفي بال التكتل بعض المحطات السابقة التي لا تزال ترخي بثقلها على العلاقة بين هذه القوى.

ثمة تجربة «مرة» عاشها التكتل قبل استقالة الحكومة ولا يزال يعيشها. خلال فترة العمل الحكومي، اراد مقاربة سلسلة من القضايا والتعيينات وقانون الانتخاب التي حاول ان يدافع عنها من زاوية الاحقية المسيحية بها، لكنه اصطدم بكثير من العوائق من الحلفاء والخصوم.

اليوم لا يريد ان يكرر الامر نفسه في الانتخابات الرئاسية. يرفض التمديد رفضاً قاطعاً، ولا يريد تكرار تجربة الاتيان برئيس وسطي يكون تكراراً للعهد الحالي. بل يصر على ان يصل الى قصر بعبدا رئيس «قوي ويمثل طائفته». وهذا الامر تبلغ به الحلفاء والخصوم على السواء. وقبل ان تتبلور في صورة جدية الاتجاهات التي اعطى نصرالله لمحة عنها للوصول الى مرشح واحد، تنشط الحركة مسيحياً في مختلف الدوائر المعنية سياسية وروحية. من هنا ثمة فكرة يُعمل عليها تقضي بالتشاور المسيحي الداخلي للاتفاق ليس على ضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية فحسب، وانما ايضا لاختيار مرشح واحد قوي. الفكرة لا تزال في مهدها، لكنها تشكل حالة يريد التكتل ان يراها تتمدد في الاوساط المسيحية لدعمها. وبين ضرورة اتفاق قوى 8 آذار وحلفائها على مرشح وبين الاتفاق المسيحي على مرشح واحد «الاولوية بحسب المطلعين في التكتل هي للاتفاق المسيحي». رغم ان التجربة السابقة المتعلقة باللقاءات حول قانون الانتخاب، لم تسفر عن نتيجة ملموسة واجهض قانون الانتخاب، الا انها حققت خرقاً في مكان ما وكشفت اوراق الجميع على الطاولة مسيحيين ومسلمين. والتعويل على احتمال الحصول على إجماع مسيحي يصبح من الضرورات وخصوصا ان امام المسيحيين فرصة استعادة الدور وعدم التفريط به، وسط التجاذبات المحلية والاقليمية التي حكمت السنوات الست الماضية.

ينطلق التكتل من مبدأ ان الرئيس المقبل يجب ان يتمتع بالقوة التمثيلية نفسها التي يتمتع بها رئيس المجلس النيابي الشيعي ورئيس الحكومة السني، وان ينطلق من موقعه التمثيلي داخل جماعته وطائفته. وهذه الشروط تنطبق على عدد محدود وأصبح معروفا من المرشحين الذين يتمتعون بقوة التمثيل في شكل تدريجي من الاكثر قوة وتمثيلا الى الاقل قوة وتمثيلا. والاتفاق المسيحي اذا تحققت المبادرة للوصول اليه، يجعل من الممكن البحث في مروحة من الاسماء ذات القدرة التمثيلية، واختيار من تتوفر فيه هذه الصفات. ومع الاعتراف بأن احداً من المرشحين لا يمثل طائفته تمثيلا كاملا وشاملا، فعلى المجتمعين اختيار الاقوى والاكثر تمثيلا بينهم، وان لم يتمكنوا من ذلك، فلم لا يتم الانتقال الى اختيار الذي يليه قوة وتمثيلا، بدل الذهاب الى اختيار الاضعف والذي لا يمثل طائفته. لكن كل ذلك يبقى في اطار الافكار المبدئية التي تحتاج الى تشاور مسيحي من اجل الوصول الى خلاصة يتفق عليها المسيحيون اولا قبل حلفائهم من هذا الطرف او ذاك. ومن شأن هذا الاتفاق ان يطرح على الاخرين الذين يجب ان يتقبلوه ويحترموه، كما يتقبل المسيحيون استثمار الزعيم السني لزعامته في رئاسة الحكومة، وكذلك الامر الزعيم الشيعي.

لا ينحاز التكتل مطلقا الى فكرة النزول الى المجلس النيابي من اجل اختيار «اي رئيس للجمهورية»، وهو لن يكرر الخطأ السابق، ولن يشارك في جلسات الانتخاب لاختيار رئيس ضعيف. صحيح ان المشاركة في الانتخاب واجب وطني، لكن ليس المهم النزول الى ساحة النجمة بقدر ما هو مهم اختيار الشخصية المناسبة عبر رئيس يمثل طائفته، والتكتل لن يشارك الا في جلسة تحت هذا العنوان ومقاطعة جلسات المجلس الانتخابية، لا تشكل عقدة له، ما دامت مقولته واحدة وهي انه «لن يغطي انتخاب رئيس لا يرضي طموحات المسيحيين».