رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مناصر لـ«الثورة السورية». منذ البداية لحق بصف المعارضين، وعلى الخطوط الامامية وقف لـ«نصرة» معارضي النظام السوري. صحيح أنه لم يبعث بمقاتليه للمشاركة في القتال الدائر هناك، الا أنه انغمس كثيراً. صعّد من مواقفه، مكرّساً منبره الاعلامي لموقف من هنا وتصريح من هناك. جعجع لم يبعث «صدمه» الى سوريا، بيد أنه دعا في مقابلة تلفزيونية، بداية تشرين الثاني الماضي، مسيحيي سوريا الى المشاركة في القتال ضد نظام الرئيس بشار الاسد، على اعتبار أن الاخير «يحاول تخويفهم من التطرف الاسلامي للارتماء في احضانه». أيام قليلة مضت، وخُطفت راهبات دير معلولا، لم يكتف الفاعلون بذلك بل أزالوا الصلبان عن الكنائس.

لم يتأخر «الحكيم» حتى يعترض على هذه الاعمال، داعياً الى «تحييد معلولا لما تملكه من قيمة روحية مسيحية وإرث حضاري وتاريخي فريد». عند هذا الحد انتهى التصريح. فالقوات موقفها واضح: المسيحيون في سوريا يجب أن يدافعوا عن أنفسهم.

القوات نددت، ولكن سبقتها الى ذلك بكركي واللقاء المسيحي بالتحذير من الاخطار المحدقة بأبناء المسيح عبر مؤتمرين دعي اليهما مسيحيون من بلدان المشرق لمناقشة الهواجس التي يعيشونها. كان مؤتمر بكركي أكاديمياً، أما اللقاء المسيحي الذي حضرته الاحزاب المسيحية وشخصيات مستقلة، باستثناء القوات والكتائب، فكان سياسياً، اتُفق خلاله على وضع خريطة عمل للمرحلة المقبلة. القوات التي رفضت المشاركة، تنظّم اليوم مؤتمراً شبيهاً بالمؤتمرات التي انتقدتها تحت عنوان: «المسيحيون في لبنان والشرق الأوسط: تحديات وآفاق». المؤتمر سيكون في حضور جعجع ورعايته، بالتعاون مع مؤسسة «كونراد أدناور».

إذاً، مؤسسة أوروبية ستناقش وضع مسيحيي الشرق في غياب هؤلاء. هذه المؤسسة ترتبط بحركة الديمقراطية المسيحية الالمانية، تأسست عام 1956، وتعمل من أجل ترسيخ التربية المدنية والديمقراطية المسيحية، بحسب ما تعرف عن عملها على موقعها الالكتروني. وهي تُقدم منحاً دراسية للأفراد الموهوبين الذين يقومون بإجراء البحوث المتعلقة بتاريخ الديمقراطية المسيحية التي تنتشر فكرتها في أوروبا، حيث المجتمعات ديمقراطية والاحزاب تمارس عملها، اجمالا، بشكل سليم. لكن ألف علامة استفهام توضع حول الديمقراطية المسيحية في المجتمع اللبناني غير الديمقراطي أصلا. فغالبية الاحزاب المسيحية هنا هي نتاج الحرب الاهلية ولم تبدأ بالتطور الا مؤخراً، وحتى هذه النقلة من مرحلة الى أخرى لم يكتمل نموها بعد. لكن المؤسسة الألمانية التي تتقرب من الاحزاب اليمينية اللبنانية لا تتوقف عند هذا «التفصيل»، وأكبر دليل اختراقها اليوم قلعة معراب القواتية.

بعد أن رفضت القوات دعوة التيار الوطني الحر إلى الجلوس والحوار، ولو شكليا، أوصل «حمامها الزاجل» دعوتها إلى المشاركة في المؤتمر المسيحي ـــــ المشرقي الى الرابية. الدعوة نفسها تلقاها تيار المردة وحزب الكتائب. قيادتا الرابية وبنشعي لم تؤكدا الحضور ولم تعتذرا عن عدمه. فيما يُشارك في المؤتمر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي المار بروك، النائبان في البرلمان الألماني فرانك هاينري وتوبياس زاك، ونواب وسفراء وصحافيون ورجال دين وجمعيات غير حكومية.

يمتد المؤتمر من العاشرة والنصف صباحا حتى الرابعة بعد الظهر، ويفتتحه رئيس الهيئة التنفيذية بكلمة سياسية تحدد وضع المسيحيين والواقع الذي يعيشون فيه، والهواجس التي تسيطر على حياتهم. بعد ذلك ستكون كلمة للامين العام لقوى الرابع عشر من آذار فارس سعيد، وخبير السينودسات في العالم الاستاذ الجامعي في بيروت وروما وميلانو الاب سمير خليل اليسوعي. وسيكون للمسلمين اللبنانيين كلمة يلقيها الدكتور الجامعي «المعارض» أكرم سكرية عن العيش المشترك وأهمية الوجود المسيحي في الشرق.