لطالما تفاخرت الدول الكبرى بأمنها وإستقرارها ومالها وقوّتها العسكرية، وأمور أخرى تغنّت بها على مرّ الزمن، إلا ان هذا الزمن لم يرحمها وكشف ألاعيبها ونواياها. والتبعية التي فرضتها هذه الدول على دول العالم الثالث، خلقت نوعاً من التمرّد وساهمت في صناعة إرهابيين ومتمرّدين ومعارضين، يسعون جاهدين للتحرّر من قفص "التبعيّة".

ولا خلاف على ان لبنان، من أبرز المتضرّرين من هذه التبعيّة التي كبّلته وجعلته "طابة" يتقاذفها السياسيّون وأصحاب القرار في البلاد، لتسجّل "هدفاً" لهذا الفريق أو لذاك، برعاية الدول الكبرى مجتمعةً.. إلا ان هذه الدول غير منزعجة على الإطلاق، إذ ان مصالحها تتحقّق من خلال هذه الإنقسامات الحاصلة.

تختلق العداوة مع حلفائها، وتمثّل السيناريوهات على جيرانها، تهدر دماء الأبرياء على مسرحيّاتها، ويصرّح رؤساؤها تصريحات مثالية لا تمت للواقع بأي صلة. من منّا لا يعرف ان كل التفجيرات التي تحصل في لبنان، تتلاقى أهدافها مع المصالح الخارجيّة؟ ففي كل تفجير هناك دولة أو مجموعة دول مستفيدة. وهكذا بات لبنان ومسؤوليه "اللامسؤولين"، غير آبهين بمصير البلاد، فيتطلّعون إلى التحالفات الخارجية ضد الأفرقاء في الداخل، بدلاً من الحوار والتلاقي والإتفاق على الإرتقاء بالبلاد فوق كل المصالح الفئوية، لمواجهة التحديات التي تفرضها التدخّلات الخارجية.

ألا يحقّ لهذا الشعب ان ينعم بإستقرار دائم وظروف معيشيّة مقبولة ولو لمرة واحدة؟، ما همّ المسؤولين؟! فهم يعيشون في عالمهم الخاص بعيداً عن الظروف الحياتية الصعبة والشاقة، وزحمة السير الخانقة، والفيضانات التي تشهدها طرقات البلاد مع بداية كل فصل شتاء، والأجور التي لم يتلقّاها العمال، وكل الفساد المستشري..

إنما لا ننسى ان المسؤولية لا تقع فقط على المسؤولين، بل يتشاركها الشعب الذي لم يكتفِ بإنقسامه إلى معارضة وموالاة، وبإعادة إنتخاب الطبقة السياسية عينها مراراً وتكراراً، بل تعدّى ذلك إلى الإنقسامات المذهبية والطائفية، وبات المتطرّف يقتل شريكه في البشريّة تحت عنوان "الجهاد" لصالح دول خارجية، أو عناوين أخرى لم تتجلّى بوضوح بعد، كما انه لا يتخلّف عن إذلال نفسه للمسؤولين من أجل "المال"، فيقع هذا الشعب المسكين في قبضة المسؤولين ليحرّكه كما يشاء تنفيذاً لمشاريعه.

وأمام كل هذا الواقع المرير، يقف المجتمع الدولي، الذي يدعو إلى "الوحدة وعدم التقاتل"، متفرّجاً ضاحكاً وساخراً ربما، مستنكراً الأعمال الإرهابيّة بعبارات لا تعيد القتلى الأبرياء.