يعود موسم الأعياد وتعود معه "الدعوة الشاملة للإستهلاك اللامحدود". فالكل يضع ثقله الأكبر على حملاته الإعلانية: من مؤسسات بيع الورود، إلى شركات الألعاب، ومحلاّت العطور والمجوهرات... ولِمَ لا؟ فالمنافسة مشروعة والتجارة "مش عيب". إلا أن المبالغة الموجودة اليوم على طرقاتنا باتت لافتة للنظر، فبات ​عيد الميلاد​ بمثابة عيد "الإستهلاك الشرس" بدلا من أن يأخذ معناه الحقيقي، معنى الإهتمام بالآخر والعودة إلى الله. الغائب الأكبر عن طرقاتنا ذات الزينة الملحوظة الفقر هذا العام، والإعلانات المنتشرة في كل زاوية، هو طفل المغارة، والأضواء التي كان من المفترض أن توجه إليه، توجه اليوم إلى واجهات المحال التجارية.

هذا الأمر لا يعاني منه لبنان فقط، بل مختلف البلدان في هذا العالم "المُعَوْلَم" أيضاً، وفي هذا المجتمع العالمي المسمّى بالمجتمع الإستهلاكي، وفي مختلف أيام السنة لا فقط في عيدي الميلاد ورأس السنة. لذلك بدأت تنشأ حول العالم تيارات بهدف حماية الطفولة من هذه الوثبة الإستهلاكية التي تكاد تصبح أكبر وأكثر اتساعاً كل يوم. فالإستهلاك جيد وحياتي ومفيد، ولكن، شرط أن يبقى في الأطر المقبولة وألا يتحول هو بذاته غاية للحياة الإنسانية. ومن بين هذه الحركات، كان من اللافت حركة "الطفولة المتحررة من الإستهلاك" التي بدأت في البرازيل منذ مدة للوقوف أمام هذه الظاهرة.

وفي حديث إلى "النشرة"، تشرح سيلفيا دوسيل، وهي إحدى أعضاء هذه الحركة، أن "الفكرة بدأت عندما لاحظنا مدى أذى الإعلان الموجه للأطفال والذي يُشعر الطفل أنه إذا لا يملك شيئاً ما وكأن طفولته ناقصة، فقررنا أن نساعد الأهل على بحث هذه المسألة مع أبنائهم، وقررنا أيضاً العمل على الصعيد القانوني لإقرار قوانين أكثر صرامة على هذا الصعيد لأن ما من تنظيم لهذا القطاع لدينا في البرازيل".

وتوضح دوسيل أن الحركة "لا تطمح للوصول إلى مجتمع غير مستهلك، لأن هذا من نهج الخيال ولا يمكن تحقيقه"، مشيرة إلى أنه "يجدر بنا الإستهلاك لكي نستمر على قيد الحياة". ولكنها تشرح "أننا نريد محاربة الإستهلاك الزائد عن حدّه، خصوصاً لدى الأطفال الذين لا يعرفون الفرق بين الحقيقة والإعلان".

وبعد فترة من العمل على التوعية في هذا المجال، تعترف دوسيل أن "الشركات الإعلانية ذكية جداً، وبالتالي، فمن الصعب على البعض فهم أنه يتم الدفع به لطلب المزيد والمزيد كل يوم"، ولكنها تؤكد أن "عدداً كبيراً من الناس يدعمنا ويلاحظ أن الأمور يجب أن تتغير".

وتقترح دوسيل عدداً من السبل لإمضاء عيد الميلاد دون صرف المبالغ الطائلة، ومن بينها: أولاً، العودة إلى الإحتفال الحقيقي بعيد الميلاد، لأنه لا يعني الذهاب إلى السوق والتسوق طوال النهار بل تمضية الوقت الجميل مع الناس الذين تحبهم، وإذا كان لا بد من شراء الهدايا، وهو أمر جيد، فَلِمَ لا يتم دعم الصناعات المحلية؟". وثانياً، تحضير المأكولات، والبقاء إلى جانب الأطفال لكي يشعروا بدفء العائلة".

قد تكون هذه المبادرة مثال يقتضى به لكي لا يضيع معنى الإنسان خلف السلع التي يستخدمها، ولكي لا ينسى الأهل أهمية الإهتمام بالأولاد لا بألعابهم فقط عبر إغراقهم بكل ما يريدون، ولكي لا يمحى معنى أحد أجمل أعياد السنة خلف شراهة الإستهلاك الأعمى.

تقرير ​مارسيل عيراني