لقد تعلَّمنا وتربيّنا منذ صِغرِنا على أنَّ الضمير هو صوت الله الحيّ في داخلنا. فالله الذي خلقنا وخلق العالم أجمع، منحنا جسداً، روحاً، عقلاً وقلباً لكي نمجِّده ونباركه في كلِّ حين مع كلِّ الكائنات الحيَّة التي ميَّزنا عنها بعقلانيتنا وبضميرنا. لقد جعلنا الله أبناءً له وورثةً لملكوته مِن حيث أنَّه أراد أن يسكن في ضمائرنا لنحيا معه حياتنا الأرضيَّة ولنعكس محبة الله وصِدقِه لخليقته.

لقد خاطب طفل المغارة بيلاطس مُذكِراً إياه أنَّه ليس له من سلطانٍ على الأرض لو لم يعطَ له من فوق (يو11:19). فالسلطة هي القوة والقدرة والسيطرة على شيءٍ ما والحكم على الأرضٍ والإبداع ولكن ليس الخلق لأنَّ الخالق واحد مهما تقدَّم الإنسان في العِلم والتكنولوجيا. هناك من يبسُط سلطته مع خلال ديكتاتوريته، وهناك من يبسطها من خلال ديمقراطيته وآخرٌ يبسطتها من خلال عقلانيته وضميره.

صاحب السلطان هو المسؤول المباشر عن الشعب وبَلاط السلطان وأصحاب السلطة هما المسؤولين أيضاً عن الشعب وعن من هو تحت سلطتهم. كُثر هم الذين تكلموا عن السلطة ومفهومها وسياستها ونوادرٌ هم الذي استلموا السطلة بضميرٍ حيّ ساعِينَ وراء المصلحة العامة ومصلحة الشعب أجمع عِبرَ التاريخ.

يتهافت ويتصارع الجميع ليحصل على مسؤوليةٍ ما، من خلال وسائلٍ عِدَّة حتى أنَّ هناك قسماً من المسؤولين منذ بداية حملتهم يبيعون ضمائرهم ويشترون الناس بمالهم أو بالحري بأموال الناس ذاتها لكي يصوّتوا لهم.

صاحب الضمير هو ابن الله وهو حامل صوت الله والمنادي به بداخله، بمجتمعه وبجواره؛ صاحب الضمير هو ذاك المؤتمن على الكثير كما على القليل وصاحب الضمير هو مَن يعرف الله لأنَّ الله ساكنٌ فيه.

كُثر هم اليوم الذين يحتلّون مراكز في السلطة أو في الحكم أو في المسؤوليّة؛ وكُثر هم اليوم الذين يعملون وفق الخير العام، وفق خير الآخر وخير الله. لكننا نرى اليوم، في الوقت ذاته، كم من المسؤولين الذين يغشّون الآخرين ويحكمون سعياً لتحصيل حاجاتهم الخاصة ولسرقة المال العام, ناسين ومتناسين الله وضمائرهم وكلّ ما يخصّ صِدقيتهم وشفافيتهم.

لذا، يا طفل المغارة، أنتَ الذي أتيتَ لتجسِّد الله على الأرض، أنتَ الذي أحيّيت ضمير الإنسان ومنحته الحياة: امنح أبنائك المسؤولين في عالمنا، ضميراً جديداً مع ولادتك الجديدة ليحكموا بعدلٍ وبصدقٍ وبضميرٍ حيّ لأنَّه ليس لهم من سلطة أو مِن سلطانٍ أو مِن حُكمٍ لو لم يعطِ لهم من فوق؛ امنح حكامنا الضمير الحيّ لكي يحيَوا معك أنت الحيّ؛ امنح المسؤولين العمل من أجل الخير العام بدل الخاص لكي نرى فيهم صورة الله؛ امنح كلَّ إنسان ان يعمل العمل الصالح ليعيش الصلاح في حياته متذكراً أنكَ الصالحُ الأوحد إلى الأبد.