شكّل تفجير مبنى الأمن في محافظة الدقهلية في المنصورة بمحافظة الجيزة في مصر منذ أيام رصاصة الرحمة التي أطلقت على وجود الإخوان المسلمين وإمكانية ممارستهم العمل السياسي على الأقل في المدى المنظور، وذلك بعد الإعلان عن تسمية الجماعة بالمنظمة "الإرهابية"، والتهديد بملاحقة كل أعضائها في الجامعات والمساجد، وفي حال ثبوت التهمّ المتعلقة بعمليات التخريب أو نشاط سياسي مشبوه، فإنه سيتم تطبيق قانون "مكافحة الإرهاب" والذي قد يصل حدّ الإعدام!.

هي إستعادة لمشاهد عاشتها مصر في منتصف القرن الماضي بعد حظر عمل "جماعة الإخوان" وملاحقتهم وزجّهم بالسجون منذ حكم جمال عبد الناصر ولغاية حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك والذي حاول في فترات متفاوتة من حكمه "التحايل" على العلاقة معهم بالتهديد حينا والمرونة أحيانا.

إلا أن هذه العلاقة بين "الإخوان" والسلطة، لم تستقم تماما نظرا للرؤية المختلفة لهذه الجماعة في إدارة شؤون الحكم وتسيير أمور الناس حتى تسنى لهم الوصول إلى سدّة الرئاسة والتصدي لهذه المتطلبات فإنكشف الضعف والتهور والتخبط وصولاً إلى ما تعيشه مصر هذه الأيام.

فقد كشف العام الجاري عن عمق الخيبة التي مني بها المصريون عندما أوصلوا هذه الجماعة إلى السلطة بعد ثورة يناير 2011 كردة فعل على النظام المخابراتي والحديدي في عهد حسني مبارك وبعد أجواء الفساد التي وسمت عمل نجليه علاء وجمال والذي يبدو أنه يتم تبرئتهم منها الواحدة تلو الأخرى، فكانت حينها الفرصة الذهبية للإخوان بعد السماح لها بعودة نشاطها والإعتراف بأذرعها والإعتقاد بأنهم طلاب دين وحق وعدل، فإذ بالأيام تفضح زيفهم وتبرز جشعهم للسلطة والمال وإمكانية هدم المعبد فوق رؤوس المصريين من أجل ذلك وهو ما كشفته الأحداث الأمنية الأخيرة بدء من تفجبرات سيناء وصولا ألى تفجير الجيزة.

كما كشفت معلومات صحافية عن وجود تحالف بين جماعة الإخوان المسلمين وجماعتين ترتبطان بتنظيم القاعدة هما "أنصار بيت المقدس" و"كتيبة الفرقان"، وأضافت هذه المعلومات أن هاتين الجماعتين التكفيريتين لديهما أموال ضخمة وأسلحة ممولة من دول إقليمية وخارجية تحاول زعزعة الحكم الجديد في مصر.

وأعلنت مجموعتان على الأقل، تنفيذهما لعمليات "إرهابية" ضد السلطات المصرية منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من يوليو (تموز) الماضي. المجموعة الأولى، التي كان لها نشاط، سلفا، في سيناء وقطاع غزة، هي المعروفة باسم "أنصار بيت المقدس"، وهي الأخطر. أما المجموعة الثانية التي ظهرت خلال الشهرين الماضيين، فتطلق على نفسها إسم كتائب الفرقان، وإن عمل "الفرقان" يتسم باستهداف "عصب الدولة"، مثل محاولتها، قبل شهر، قطع الاتصالات الدولية بين مصر والعالم، وقيامها بنحو 40 محاولة فاشلة لاستهداف قناة السويس. وعلى الخلاف من ذلك، يتميز عمل "أنصار بيت المقدس" بأنه يستهدف مواقع الجيش والشرطة في عمليات "ثأرية"، فإن هاتين المجموعتين تتشابهان في أنهما دخلتا في تحالف مع جماعة "الإخوان" أثناء حكم الرئيس السابق محمد مرسي، وهما تتبعان فكر تنظيم "القاعدة" وبغضّ النظر عن أن الفكر الذي تتبعه "أنصار بيت المقدس" أو "كتائب الفرقان" الذي كان يكفّر جماعة الإخوان، إلا أنه حدث لهم، مع الإخوان، تحالف استراتيجي، وكان الإخوان من قبل لا يتحالفون مع مثل هذه التنظيمات، لكن بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 تحالفوا معهم، وهذا التحالف أضرّ بالإخوان حيث تساهلت الجماعة معهم بعد وصولها للحكم؛ "لكي تكون ظهيرا لها عند الحاجة"، مشيرة إلى أن هذا التقارب تحول إلى "تحالف" بعد سقوط حكم مرسي.

لقد تدّرج سقوط "الإخوان" على الساحة المصرية منذ تسلمهم دفة الحكم. فقد كان من أصعب الأمور عليهم هو تطويع نظام الدولة، وقد تسلموا الحكم والدولة في حال شلل، فكبار موظفيها إما يخضعون للتحقيق القضائي، أو يرفعون شكاوى ضد بعضهم بعضاً. هذه الثغرة جعلت حكم "الإخوان" هو الآخر مشلولاً، خاصة وأن عناصر "الإخوان" التي جرى تعيينها في مناصب عدة كانت عديمة الخبرة في إدارة شؤون الدولة، فسقط الإخوان المسلمون في دائرة البيروقراطية المصرية ومشاكلها، وازدادت الأمور سوءاً بتعطل مصالح المواطنين وإنكشاف الوضع الإقتصادي.

وبدل طرح مبادرات للإلتفاف حول القوى الوطنية الأخرى فإن "الإخوان" ذهبوا إلى الإنفراد بالحكم في مرحلة انتقالية صعبة، كانت تستوجب التكتل، وقد رأت هذه القوى في "الاستحواذ الإخواني" مقدمة للإستيلاء على السلطة لاستخدام الإخوان أساليب تذكرهم بالعهد السابق ومساوئ نظام مبارك.

لقد أخطأ "الإخوان" خطأ "قاتلا" بدفع الأمور إلى القتال في الشوارع والصدام مع القوى الأمنية للجيش والشرطة، مستغلين الدعاية الإعلامية عن محاولات الإنقلاب وإغتصاب السلطة – على حد تعبيرهم – ودفع حشودهم للإعتصام في الساحات وإستدراجهم للمواجهة مع الأمن – ومتناسين أن الدعم الدولي الذي ساندهم بداية تسلمهم السلطة قد تغير بتغير ظروف دولية وإقليمية كبيرة تجتاح المنطقة بأكملها، إضافة إلى تجاهلهم تأثيرإستهداف الجيش والشرطة والذي عبّر المصريون عن إنتمائهم وتعاطفهم معهم ضد الهجمات "الإرهابية" التي تستهدفهم.

خسر "الإخوان" شرعية جمعيتهم وتمّ مصادرة أموالهم والقدرة على تحشيد جماهير بدأت تفقد الأمل بعودتهم إلى الحياة السياسية وبقدرتهم على أن يحكموا بلدا عظيماً مثل مصر والبقاء فقط في موقع الملاحقة والمطاردة.