ليس خفيًا أنّ النظام اللبناني قائم على مبدأ تعددية الطوائف المكرس بميثاقه الوطني سنة 1943 وقبله بدستور سنـة 1926 بمادته 95 التي جاء فيها: "بصورة مؤقتة والتماسا للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصفة عادلة في الوظائف العامة وتشكيل الوزارة دون ان يؤول ذلك الى الاضرار بمصلحة الدولة" وبعد ذلك بقيت هذه المـــادة على حالها في التعديل الدستوري لسنة 1990 (بعد الطائف) بمادتيه 24 (المتعلقة بانتخاب اعضاء المجلس النيابي بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين) و 95 فقرة "أ" (المتعلقة بتمثيل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة)، كما ان الفقرة "ي" من مقدمة الدستور الحالي تنصّ: لا شرعية لاي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". واخيرا، فان هذه المواد الدستورية تدعم المبدأ او العرف الدستوري المستقر على توزيع الرئاسات الثلاث توزيعا طائفيا: للطائفة المارونية رئاسة الجمهورية، للشيعة رئاسة مجلس النواب، للسنة رئاسة مجلس الوزراء.

يتبين على نحو صريح من هذه المبادئ والقواعد الدستورية ان النظام اللبناني هو نظام ديمقراطي برلماني حــر قائم على الرعاية الطائفية وليس برلمانيا محضا بالمعنى الكلاسيكي للانظمة البرلمانية، ولكون رئيس الجمهورية في لبنان يتمتع بصلاحيات دستورية هامة جدا ومنها صلاحية ترؤس مجلس الوزراء المنصوص عنها في المادتين 53 و 65 فقرة 5 من الدستور.

ومن الراهن أنّ الاحزاب السياسية في لبنان هي في جوهرها ونشاطها احزاب طائفية بحيث أنّ التيار الوطني الحـر والكتائب والقوات اللبنانية تمثل الطائفة المارونية، وحزب الله وامـل يمثلان الطائفة الشيعية، وتيار المستقبل يمثل الطائفة السنية، والحزب التقدمي الاشتراكي يمثل الطائفة الدرزية وباقي الاحزاب بمعظمها الساحق تمثل طائفتها، وفضلا عن ذلك فان المرجعيات الروحية الى جانب فئة كبيرة من الشعب غير الحزبية تلعب ايضا دورا هامـا في هذا المضمار.

ولئن كانت هذه الاحزاب تمثل طوائفها الى حد ما في المجلس النيابي فان ايا منها لا يملك الاكثرية البرلمانية منفردا، وذلك لان النظام اللبناني، كما قلنا، قائم على التعددية الطائفية المكرسة دستوريا.

ومن هنا، وتأسيسا على هذا الواقع الدستوري، فان رئيس الجمهورية يلعب دورا محوريا في كيفية تشكيل الحكومة على وجه يراعي فيه، مع رئيس الحكومة المكلف، صيغة ميثاق العيش المشترك للطوائــــــــــف بقطع النظر عما اذا كانت هذه الطائفة او تلك تنتمي الى حزب او مجموعة احزاب طائفية تمثل الاكثرية في المجلس النيابي ام لا، ما يعني، ان الحكومات في لبنان هي حكومات أئتلافية على الدوام، في الاحوال العادية، بحكم المبادىء والقواعد الدستورية الآنفة الذكر ولا محل للقول بما يسمى بحزب الاغلبية في تولي الوزارة كما هو الحال في بريطانيا او حتى لو كانت هذه الاغلبية مؤلفة من مجموعة احزاب متجانسة او غير متجانسة.

اما في الاحوال غير العادية، كـأن يكون هناك خطر قومي يهدد امن الدولة وسلامتها او يهدد اقتصادها بالدمــار او ازمة وزارية حادة، وهذا هو الوضع اللبناني حاليا ، فمن واجب رئيس الدولة، الساهر على احترام الدستور، توقيع مرسوم تشكيل حكومة "انقاذ وطني" من خارج القوى السياسية او من خلالها او من كل منهما معا حفاظا على المصلحة العليا للبلاد وسلامتها، استنادا الى صلاحياته الدستورية غير المحدودة في هذا المجال والمستمدة من المادة 49 التي تنص: "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه"، ومن المادة 50 دستور (المتعلقة بيمينه المعظمة) التي تنص: "احلف بالله العظيم اني احترم دستور الامة اللبنانية وقوانينها واحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة اراضيه" ومن الميثاق الوطني الذي تتجسد فيه فكرة الحياد اللبناني تجاه دول الغرب جميع دول الغرب ودول الشرق جميع دول الشرق.

وتبعا لذلك، فان الرئيس مجبر على توقيع مرسوم تأليف الحكومة الجديدة بدلا من حكومة مستقيلة لا امل ولا حياة لها، وعلى المجلس النيابي تحمل مسؤولياته في اعطائها الثقة من عدمها، وبالتالي، يبنى على هذا الاساس طبيعة السياسة العليا للبلاد ومستقبلها.