في الجزء الأول من "التقرير السنوي" الذي تقدّمه "النشرة" لقرّائها في نهاية كلّ عام، كان وصف "المستحيلات الواقعية" لتصنيف سنة 2013 على الصعيدين العربي والعالمي، سنةٌ اختبِرت فيها كلّ الجبهات دفعةً واحدة، وانتهت بما يشبه "التسويات التاريخية" التي ستكون لها انعكاساتُها دون أدنى شكّ خلال السنوات المقبلة..

هي "تسوياتٌ" بقي لبنان يبحث عن "موقعه" فيها، "موقعٍ" لا يزال حتى الساعة خاضعًا للتجاذبات التي لا تنتهي، في ضوء اتساع الهوة بين الأفرقاء المتنازعين الذين لم يبق صراعُهم محصورًا في السياسة، بل تعدّى إلى حلباتٍ أكثر خطورة وحساسية..

هكذا هو لبنان في الـ2013، بلدٌ لا يمكن القول أنّه في حالة حرب، ولكنّه قد يكون في ما هو أصعب منها، بلدٌ على كفّ عفريت، تنقلب أحوالُه بين ليلةٍ وضُحاها كالبورصة، بلدٌ تكاد تصبح السيارات المفخّخة من "يومياته" دون أن تفرض على سياسييه أيّ "تغييرٍ" في "الإستراتيجية"، بلدٌ تبخّرت فيه "الديمقراطية" التي لطالما "تفاخر" بها وتفوّق "الفراغ" على كلّ ما عداه من "سناريوهات"، بلدٌ يقال أنّ الآتي فيه سيكون أعظم، وهنا بيت القصيد!

حين تبخّرت الديمقراطية اللبنانية..

في ختام التقرير السنوي للعام 2012، كانت كلّ الرهانات على الانتخابات النيابية التي قيل أنّها ستكون "مصيرية" وأنّها ستكون قادرة على رسم كلّ "المعادلات" للمرحلة المقبلة، والتي كان كلّ الأفرقاء قد تعهّدوا بأنّها ستجري وفق قانونٍ انتخابي جديد وُصِف بالعصري والحضاري.

لم تكن هذه الرهانات خاطئة أو خيالية، بل يمكن القول أنّها كانت الأكثر واقعية لو لم تكن في لبنان، البلد الذي باتت فيه "الواقعية" خطيئة بحدّ ذاتها، فالانتخابات كان يُفترض أن تكون بالفعل "حدث العام" دون منازع، لو كان هذا العام طبيعيًا، ولو حصلت هذه الانتخابات عمليًا، ولم تقف في وجهها ما سُمّيت بـ"الظروف القاهرة" التي، وللمفارقة، سبقت كلّ "التدهور الأمني" الذي شهده لبنان في الفصول الأخيرة من العام، وكما يقول البعض، كنتيجة لـ"الفراغ" الذي تسبّبت به قراراتُ السياسيين.

باختصار، ذهب الحديث عن قانونٍ انتخابيٍ عصري سُدىً. أمضى اللبنانيون الفصل الأول من العام وهم يتداولون بقوانين انتخابية، بينها الواقعي وبينها الغريب والعجيب، بل إنّ القانون الأرثوذكسي الذي يقضي بانتخاب كلّ طائفة لممثليها حصرًا شكّل مادة أخذ وردّ على مدى أشهر، قبل أن يسقط بفعل "توافقٍ" على ما وُصِف بـ"القانون المختلط" الذي لم يتفق عليه الأفرقاء.

ولأنّ الإبقاء على القانون القديم، قانون الستين، كان "خطًا أحمر" يستحيل "كسره"، فضّل السياسيون كسر "خط آخر" كانوا قد صبغوه بـ"الأحمر" أيضًا، فكان قانون ​التمديد​ الذي صدر عن المجلس النيابي في الحادي والثلاثين من أيار، على أن يبقى ساريًا لمدّة سنة وخمسة أشهر، وبأغلبية 97 نائبًا، واعتراض نواب تكتل "التغيير والإصلاح" الرافضين للمبدأ. وليكتمل "السيناريو"، سقط "المجلس الدستوري" في الامتحان بعد أن عجز عن درس "الطعنين" بالقانون اللذين قدّمهما كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، بفعل ما وُصِف بـ"بدعة" فقدان النصاب، التي فرضت "سريان" القانون شاء من شاء وأبى من أبى.

حكومة سقطت.. وأخرى لم تولَد!

وإذا كانت سبحة "التمديد" كرّت لتشمل مختلف القطاعات ولا سيما الأمنية في ظاهرةٍ كرّست "سقوط" الديمقراطية اللبنانية دون أسفٍ على "شبابها"، وهو ما حصل في قيادة الجيش ومديرية المخابرات وغيرها من المؤسّسات، فإنّ "سقوطها" في قيادة قوى الأمن الداخلي كان كفيلاً بـ"تعميم" الفراغ ليصل إلى الحكومة نفسها، التي أعلن رئيسها نجيب ميقاتي استقالتها "إفساحًا في المجال أمام تشكيل حكومة إنقاذية" وذلك في الثاني والعشرين من آذار، وذلك بعدما رفضت مكوّنات حكومته تنفيذ رغبته بالتمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي.

يومها، قيل الكثير عن استقالة ميقاتي المفاجئة والمدوية، والتي لم يكن قد وضع أحدًا في جوّها، كما أكّد مرارًا وتكرارًا. وفيما تحدّث البعض عن "نوايا مبيتة" وراء الاستقالة كانت تقضي برغبة ميقاتي بالعودة إلى الحُكم وذلك بـ"شروطه"، جرت "الرياح" بما لا تشتهي السفن "الميقاتية"، فانضمّ تمام سلام إلى نادي "رؤساء الحكومات"، وإن لا تزال عبارة "المكلّف" تضيّق عليه اللقب.

سلام سُمّي بـ"شبه إجماعٍ" غير مسبوق بعد تصويت 124 نائبًا من أصل 128 لصالحه في الاستشارات النيابية الملزمة التي جرت في يومي الخامس والسادس من نيسان، وهو إجماعٌ لم تخرقه سوى كتلة النائب سليمان فرنجية الذي اعتبر سلام جزءًا من فريق "14 آذار" ورفض تسميته انسجامًا مع مبادئه.

وفي حين سارع سلام لإطلاق وصف "المصلحة الوطنية" على حكومته مباشرة بعد الاستشارات، فإنّه سقط في فخّ التعهّدات الكثيرة التي أطلقها ولم يلتزم بها، على غرار قوله في السادس والعشرين من نيسان أنّه سوف يعتذر مباشرة عندما يرى أنّ هناك من لا يريد تسهيل عملية التشكيل، وفي السابع من تموز أنه لن ينتظر إلى ما لا نهاية وسيتخذ قرارات وطنية يمليها ضميره عليه، وذهابه في الثامن من تموز لحدّ إطلاقه شعار "للصبر حدود".

لكن، وبعد مرور تسعة أشهر على تكليفه، لم تظهر أيّ "بشائر" لولادة حكومة "المصلحة الوطنية" التي أكثر من الحديث عنها، بل إنّ الكواليس السياسية باتت تضجّ بما سُمّيت بـ"حكومة أمر واقع" يُقال أنّ سلام يعمل على الإعلان عنها بموافقة رئيس الجمهورية خلال الأيام القليلة المقبلة، علمًا أنّ خطوة من هذا النوع قد تجرّ البلد نحو "المجهول" في ظلّ الرفض المُطلَق لها من قبل قوى الثامن من آذار وكذلك النائب وليد جنبلاط، الذين يصرّون على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وشراكة وطنية.

أمنٌ منهار وصواريخ فالتة.. مشهد لبنان 2013

هي معاناة السياسة خلال العام 2013 إذًا. الفراغ شبه شامل، من المجلس الذي مدّد لنفسه ولم يفعل شيئًا منذ تلك اللحظة "التاريخية"، إلى الحكومة العالقة في حرب "الصلاحيات" بين "تصريف الأعمال" و"متطلبات المرحلة". هو الفراغ الذي يهدّد بشلّ البلد برمّته، عندما يصل خلال الأشهر المقبلة إلى سدّة رئاسة الجمهورية، وإن كانت "السيناريوهات المحتملة" لا تزال متعدّدة، ومن بينها انتخاب رئيسٍ جديدٍ وفق الدستور.

لكن، بانتظار كلّ الاستحقاقات السياسية، تصدّر الأمن واجهة أحداث 2013 بتفوّق ودون أيّ منازع، هو الذي كان تدهوره برأي العديد من المراقبين "نتيجة طبيعية" بل "بديهية" لـ"الفراغ القاتل"، وكذلك للأزمة السورية التي لم تعد صيغة "النأي بالنفس" كافية لمنع ارتداداتها على الأرض اللبنانية، وهي التي أثبتت كلّ الأحداث أنّ لبنان بات جزءًا لا يتجزّأ منها، بل إنّ كلّ اللاعبين اللبنانيين باتوا منخرطين عمليًا في الصراع السوري، أكّدوا ذلك أم أنكروه.

وإذا كانت الأحداث الدامية في طرابلس تحوّلت للأسف الشديد إلى أمرٍ معتاد لم يعد يستحقّ أن يتصدّر نشرات الأخبار وصفحات الصحف، وهي التي تخطّت جولاتها سنّ الرُشد السياسي كما يُقال وباتت القنابل الصوتية هنا والاشتباكات التقليدية هنا من اليوميات غير القابلة للجدال، فإنّ الحدود اللبنانية السورية باتت مسرحًا لنوعٍ آخر من الأحداث التي باتت تمرّ هي الأخرى مرور الكرام، سواء في ما يتعلق بالغارات الجوية التي يشنّها الطيران السوري على المناطق الحدودية لا سيما في عرسال، أو بالنسبة للصواريخ التي باتت تسقط بين الفينة والأخرى في المناطق البقاعية ولا سيما في بعلبك والهرمل، والتي قيل أنّ الجماعات المسلحة في الداخل السوري تقف وراءها.

إنتحاريون يخرقون المشهد...

لعلّ الأخطر من كلّ ما سبق أنّ "الصواريخ الفالتة" لم تبقَ محصورة في المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا بفعل الصراع الحدودي الدائر، بل إنّها باتت "تتنقّل" بين المناطق اللبنانية في مشهدٍ كان كافيًا لبث "الرعب" و"الذعر" بين المواطنين اللبنانيين.

وكانت بداية هذا المسلسل من منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت التي استفاقت يوم السادس والعشرين من أيار على خبر سقوط صاروخين فيها تمّ العثور على منصتي إطلاقهما في خراج عيتات، ليعود المشهد ويتكرّر في الحادي والعشرين من حزيران مع سقوط صاروخ بين الجمهور وبسوس تمّ العثور على منصّة إطلاقه في منطقة بلونة، وفي عيد الجيش في الأول من آب، سقط صاروخان في فيللا فريحة قرب نادي الضباط وقرب قصر الخاشقجي في تلة اليرزة.

ولأنّ الصواريخ وحدها لم تعد تفي بالغرض، كان اللجوء إلى السيارات المفخّخة التي خرقت المشهد الداخلي بشكلٍ كبير ودون تمييزٍ بين المناطق، فكانت البداية من بئر العبد في الضاحية الجنوبية لبيروت التي دوّى فيها انفجارٌ ضخمٌ في التاسع من تموز، أول أيام شهر رمضان المبارك، وأسفر عن سقوط العشرات من الجرحى، قبل أن تتضاعف "الفاتورة" في الانفجار الذي دوّى في محيط مجمع سيد الشهداء في منطقة الرويس في الخامس عشر من شهر آب وأسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين والأبرياء. ومن الضاحية إلى طرابلس، كان التفجير المزدوج في الثالث والعشرين من آب أمام مسجدي التقوى والسلام في المدينة، وذلك بعيد صلاة الجمعة، أي في وقت الزحمة الشديدة، الأمر الذي أسفر أيضًا عن سقوط العشرات من الشهداء والجرحى، ورُفِعت في أعقابه شعارات "التضامن" بين الضاحية وطرابلس تحت مسمّى "الجرح واحد".

وفيما لم يغب انفجار العبوات عن المشهد خصوصًا في المناطق البقاعية، وبينها انفجار سيّارة مفخخة في خراج منطقة صبوبا في اللبوة في بعلبك في السابع عشر من كانون الأول، بقي الأخطر من كلّ ذلك دخول الإنتحاريين على الخط العام، وذلك ما تجلى خصوصاً في التفجير المزدوج الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت في التاسع عشر من تشرين الثاني، والذي أسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى، والذي تبنّته "كتائب عبدالله عزام"، وتمّ الكشف عن هوية الانتحاريّين اللذين قاما بتنفيذه ليتبيّن أنّ أحدهما هو لبناني الجنسية ومن صيدا.

موجة الاغتيالات تابع..

"الإرهاب" وطأ إذًا أرض لبنان خلال العام 2013. لم يعد بالإمكان نكران ذلك بأيّ شكلٍ من الأشكال. سواء اتخذ هذا الإرهاب الشكل "التكفيري" كما يؤكد البعض أو لم يفعل، يبقى أنّ أحدًا لم يعد يستطيع أن "ينأى بنفسه" عن هذا الواقع المُرّ، وأنّ المطلوب اليوم هو التضامن الجدي من أجل الحدّ من تداعياتها قدر الإمكان.

"الإرهاب" وطأ أرض لبنان من خلال الصواريخ الفالتة، السيارات المفخخة، العبوات الناسفة، الانتحاريين، وأكثر. وبالتزامن، عادت موجة الاغتيالات السياسية، والتي تجلّت بأبشع صورها في آخر أيام العام، في السابع والعشرين من كانون الأول، من خلال اغتيال وزير المالية السابق محمد شطح في انفجار سيارة مفخخة في وسط بيروت قرب مبنى ستاركو، أسفر أيضًا عن سقوط عددٍ من الشهداء والجرحى.

وإذا اغتيال شطح أعاد معه ذكرياتٍ أليمة لاغتيالاتٍ سياسية بدأت في العام 2005 مع اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وصولاً إلى اغتيال رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن في العام 2012، فإنّ المؤشرات الأولية لعملية الاغتيال يوحي أنّه سيكون لها انعكاسات سياسية من الطراز الثقيل، خصوصًا في ظلّ رفع السقف الذي انتهجه بعض الأفرقاء بُعيد الاغتيالات، والاتهامات المباشرة التي وجّهها البعض، ما يوحي بأنّ المعركة لن تكون يسيرة في المرحلة المقبلة.

وكان العام 2013 شهد عملية اغتيالٍ من نوعٍ آخر في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني استهدفت الشيخ سعد الدين غية، وهو العضو في جبهة العمل الإسلامي، وذلك بالرصاص أمام منزله في طرابلس، بعد أن كان قد نجا من محاولة اغتيالٍ مماثلة في الثامن من تموز عندما انفجرت قنبلة داخل سيارته بعيد ترجّله منها.

وفي السياق نفسه، نجا إمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود من محاولة اغتيال في الثالث من حزيران بعد إطلاق مجهولين يستقلون سيارة النار أثناء انتقاله للمسجد لأداء صلاة الفجر، وقد رفض يومها توجيه الاتهام لأحد في العملية، تاركة للتحقيقات القضائية أن تأخذ مجراها.

حزب الله.. بين "المقاومة" و"الإرهاب"

وعند الحديث عن الاغتيالات في العام 2013، تحضر جريمة اغتيال القيادي في "حزب الله" حسّان اللقيس في الرابع من كانون الأول أمام منزله في السان تيريز – الحدت، في أول عملية من نوعها ضدّ قياديين في المقاومة منذ فترةٍ طويلة. وقد أثارت عملية الاغتيال المفاجئة الكثير من علامات الاستفهام، خصوصًا لجهة الإجراءات الأمنية التي كان يأخذها اللقيس، وهو الذي تبيّن أنّه لم يكن شخصًا عاديًا في المقاومة بل أحد أدمغتها اللامعة، علمًا أنّ حزب الله وجّه سريعًا أصابع الاتهام باتجاه إسرائيل بالوقوف وراء العملية، متوعّدًا إياها بالردّ عاجلا أم آجلاً.

وفي سجلّ "حزب الله" للعام 2013، وقفة خاصة عند القرار الذي صدر عن الاتحاد الأوروبي في الثاني والعشرين من تموز بالموافقة على إدراج ما سُمّي بـ"الجناح العسكري لحزب الله" في قائمة "المنظمات الإرهابية"، وذلك في قرارٍ وصفه الحزب بـ"العدواني" والذي "لا يستند إلى أيّ مبرّرات أو أدلة"، فيما لفت أنّ ممثلة الاتحاد الأوروبي سارعت لعقد سلسلة اجتماعاتٍ مع قياديي الحزب لتوضيح القرار الأوروبي الذي يبقي العلاقات مفتوحة مع ما سُمّي بـ"الجناح السياسي" في الحزب، الذي أصرّ على أنّ "لا أجنحة" داخله.

وفي الجديد "النوعي" على صعيد الصراع مع إسرائيل، بقيت طائرة "أيوب" التي أعلن عنها الحزب في العام 2012 من أهمّ معالم المرحلة، في وقتٍ برز تطور على هذا الصعيد مع سقوط إصابات في صفوف دورية إسرائيلية بانفجار بعد تسللها للبنان، في عمليةٍ تبنّاها الحزب رسميًا، مشيرًا إلى أنّ العبوتين اللتين تمّ تفجيرهما حديثتان، وأنّ المقاومة لن تسمح بعد اليوم بأيّ خرقٍ بري للحدود اللبنانية.

أحمد الأسير: ظاهرة تخطّت الحدود فأطفئت!

ويبقى أحمد الأسير من أبرز "الظواهر" التي "تضخّمت" و"أطفئت" خلال العام 2013، وذلك بعد تخطيها لكلّ الخطوط الحمراء التي كانت مرسومة، وذهابها بعيدًا في المواجهة مع الجيش اللبناني الذي سطّر من جديد خلال هذا العام شعار "شرف، تضحية ووفاء" على أرض الواقع.

وإذا كان الأسير الذي وُصِف بـ"بوق الفتنة" أعلنها "حربًا" منذ العام 2012 على كلّ من "حزب الله" وحركة "أمل" وخرج بشعاراتٍ طائفية، متحدّيًا الدولة ومؤسساتها، دون أن يردعه أو يحاسبه أحد، فإنّه "حفر قبر مشروعه السياسي" بنفسه، كما يقول البعض، حين حوّل مواجهته لتكون مع الجيش اللبناني وذلك في الثالث والعشرين من حزيران.

ففي وقتٍ كان الجيش يسكت على مضض عن "الاستفزازات" الكثيرة التي كان يمارسها الأسير وعناصره، شكّل الكمين المسلح الذي نفذته عصابات الرجل بحق حاجز الجيش اللبناني "الشرارة" التي انطلقت معها "الحرب" على "الأسيريين"، والتي لم تستمرّ أكثر من أربع وعشرين ساعة كانت كافية ليُحكِم الجيش السيطرة على مجمعه، الذي تبيّن أنّه لم يكن مكانًا للصلاة بمقدار ما كان مخزنًا للمتفجّرات، كما كانت كافية لينقلب الأسير على كلّ "شعاراته" ويتوارى عن الأنظار، علمًا أنّ الكثير قيل عن عملية "هروبه"، وهو الذي لم يظهر بعدها إلا بالصوت، ولمرّاتٍ نادرة.

الفتنة استيقظت.. وأكثر!

وبرأي الكثيرين، فإنّ العملية العسكرية ضدّ الأسير كانت في مكانها، إذ إنّها أخمدت "نار الفتنة" التي كادت تقضي على الأخضر واليابس، خصوصًا أنّ المؤامرة التي كان الأسير يسعى لتنفيذها كانت أكبر من أن يحتملها وطنٌ كلبنان.

لكنّ ظاهرة الأسير لم تكن "قطوع الفتنة" الوحيد الذي تجاوزه اللبنانيون خلال العام 2013، والكلّ يذكر "الليل المشؤوم" في السابع عشر من آذار، اليوم الذي أطلّت فيه "الفتنة" من الباب مع الاعتداء على مشايخ من دار الفتوى في منطقتي خندق الغميق والشياح، وقيام بعض الشبّان بحلق لحى المشايخ، الأمر الذي يُعتبَر "إهانة".

وكان من شأن حادثة من هذا النوع أن تؤدي لنتائج كارثية لولا "الحكمة" التي تعاطت معها القيادات المعنية، وجنّبت لبنان "الكأس المُرّ" الذي لا يزال كثيرون يعملون عليه، وهو ما تجلى خصوصًا في انفجاري طرابلس الشهيرَين والتي قرأ فيهما كثيرون محاولة لجرّ لبنان إلى "الفتنة"، من خلال إظهارها وكأنّها ردّ من فئة معيّنة على استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت.

في المحصّلة، وإزاء المحاولات الكثيرة لزرع الشقاق بين الطوائف، يصرّ كثيرون على أنّ مقولة "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها" لم تعد صالحة، لأنّ الفتنة استيقظت عمليًا، وأدواتها باتت أكثر من أن تُعَد وأن تُحصى، والمطلوب بات اليوم أن يلعن الله من يحرّكها عمليًا باللعب على الغرائز.

النازحون السوريون.. قنبلة موقوتة؟!

النازحون السوريون، قد يكون هذا الملف من أكثر الملفات حساسية التي طبعت العام 2013. أعداد هؤلاء المسجّلة وغير المسجّلة كانت تزداد مع كلّ يوم ككرة الثلج، وهي تخطّت المليون ونصف كما تشير بعض التقديرات، وهي لا تزال تزداد مع كلّ معركة تحصل في الداخل السوري، خصوصًا في المناطق الواقعة على مقربة من الحدود اللبنانية السورية، كما حصل مؤخرًا تزامنًا مع معركة القلمون الشهيرة.

وإذا كانت أعداد النازحين فاقت بكثير قدرة لبنان الاستيعابية، خصوصًا أنّ كلّ الوعود التي أطلِقت بمساعدة لبنان على هذا الصعيد لم تُترجَم عمليًا حتى الساعة، فإنّ الرهانات لا تزال توضَع على مؤتمراتٍ دولية منتظَرة، في وقتٍ بقيت العلاقة الجدلية بين "الواجبات الإنسانية" تجاه النازحين والمخاطر التي قد تنتج عن استقبالهم بهذه الأعداد الكثيفة، خصوصًا في ظلّ ما يُحكى عن أعدادٍ كبيرة من المسلحين بينهم. وقد طُرِحت فكرة إقامة المخيّمات لهم في أكثر من محفل، لكنّها لم تلقَ حتى الساعة الموافقة الرسمية، علمًا أنّ البعض ذهب لحدّ طلب "طرد" هؤلاء النازحين أو أقلّه نقلهم إلى "الأماكن الآمنة" في الداخل السوري.

وسط كلّ ذلك، بقيت العلاقات اللبنانية السورية على حالها من "الرسمية" خلال العام 2013، حيث لم يُسجَّل أيّ اتصالٍ رفيع المستوى بين الجانبين اللبناني والسوري يخرق "القطيعة غير المُعلَنة" التي بدأت منذ كشف النقاب عن قضية الوزير السابق ميشال سماحة، في حين نشط الحديث عن "شكاوى" بين الجانبين على خلفية الفوضى الحدودية والخروق السورية الدورية للسيادة اللبنانية.

إيجابية يتيمة: مخطوفو أعزاز في أحضان الوطن...

قد يلاحظ القارئ أنّ كلّ الأحداث التي سبق ذكرها في "التقرير السنوية" هي سلبية بالمُطلَق، وهذا صحيح للأسف الشديد. فصحيحٌ أنّ العام 2013 لم يكن عامًا سوداويًا كما يُقال، إلا أنّه كان أبعد ما يكون عن العام "المثالي" و"النموذجي" الذي يتمنى اللبنانيون أن يُعاد عليهم.

وعلى الرغم من ذلك، هناك "إيجابية يتيمة" تحقّقت في هذا العام من حيث لم يدرِ أحد، وتتمثل هذه الإيجابية بـ"تحرير" المخطوفين اللبنانيين التسعة في أعزاز، في "عرسٍ" غير مسبوق توّج سبعة عشر شهرًا من العذاب، ولم يكن ليحصل لولا الدور الجوهري الذي لعبه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على خط هذه القضية، التي كثُرت فيها الوساطات، ومنها الوساطة القطرية وكذلك التركية، كما سُجّل دورٌ للقيادة الفلسطينية.

"البُشرى" حملها تاريخ التاسع عشر من تشرين الأول، اليوم الذي تحوّل فيه الحُجّاج التسعة من "مخطوفين" إلى "محرّرين"، واحتفل بهم أهاليهم الذين اعتادت عليهم ساحات بعض السفارات التي اعتصموا أمامها عشرات المرّات. وفي حين يعتبر البعض أنّ تاريخ التاسع من آب، اليوم الذي أقدم فيه مسلّحون على اختطاف طيّارٍ تركي ومساعده في منطقة الكوكودي على طريق المطار، هو الذي شكّل "القفزة النوعية" في هذه القضية، فإنّ الكثير من علامات الاستفهام طُرِحت حول طريقة التعاطي مع القضية، علمًا أنّ ملف الخطف لم يُقفَل بعد قضائيًا على الرغم من إخلاء سبيل من كانوا موقوفين على خلفيتها، الأمر الذي دفع أهالي المخطوفين بالتلويح بالعودة إلى الشارع مجدّدًا إذا لم يتمّ إنهاء المسألة.

هل يكون الآتي "أعظم"؟

هكذا سيطرت "الفوضى" على لبنان في العام 2013 تزامنًا مع تمدّد موجات ما سمّي بـ"التكفيريين" على امتداد المنطقة، ومع انتصار "التطرّف" على ما عداه.

"الفوضى" سيطرت لتغيب معها الأجواء "الديمقراطية" عن بكرة أبيها، لتبدو معها كلّ الاستحقاقات المنتظرة في العام الجديد "مهدَّدة" بكلّ ما للكلمة من معنى، من الانتخابات الرئاسية التي لا يزال مصيرها "غامضًا"، إلى المحكمة الدولية التي تتأهّب لـ"المحاكمات" وصولاً حتى الانتخابات النيابية المؤجّلة.

ولكن قبل كلّ هذه الاستحقاقات، يبقى الأمن أولاً وتبقى المخاوف المشروعة من "المجهول" الذي يقول البعض أنّ لبنان بات في قلبه ولم يعد على "حافته"، كما يحلو للكثيرين أن يقولوا ببلاغتهم الإنشائية التي لم تعد مُجدية!