صباحًا، وضع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ومعه رئيس الحكومة المكلف تمام سلام، بـ"مباركة" و"رعاية" قوى الرابع عشر من آذار، "نقطة على السطر".

"النقطة على السطر" كانت عبارة عن قرارٍ آن أوانُه برأيهم، وهو تشكيلُ حكومةٍ أحاديةٍ، أو ما اصطُلِح على تسميته بـ"حكومة الأمر الواقع". لديهم ما يبرّر قرارهم هذا، فالبلاد على حافة الانهيار، المؤسسات تتلاشى والدولة تكاد تسقط. ولذلك، فكلّ ما عدا ذلك يصبح ثانويًا، من التحذيرات من "تداعيات" حكومةٍ من هذا النوع على الواقع الداخلي "المُنهار" أساسًا، ولا التنبيهات من أسلوب "التحدّي" و"الاستفزاز" الذي لا يمكن أن تُفهَم أيّ حكومةٍ "مفروضة" بغير إطاره.

وقبل أن تغرب الشمس، كانت "نقطة" أخرى على "السطر" مغمّسة بدماءٍ بريئة أخرى سالت دون ذنب، "نقطة" موقّعة باسم "الإرهاب الأعمى" الذي أبى إلا أن يذكّر اللبنانيين مع مطلع السنة الجديدة أنّ كلّ أمنياتِهم للعام الجديد لا يمكن أن تتحقّق بظلّ وجوده، وهو الذي بات يتنقّل من منطقة لأخرى على قاعدة "6 و6 مكرّر"، على أمل تحقيق غايته "المشبوهة" وزرع "الفتنة"، التي بات كثيرون مقتنعين بأنّها لم تعد "نائمة" أصلاً!

الإرهاب عاد إلى الضاحية..

عاد "الإرهاب" إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد أن دار دورته. مخترقًا كلّ الإجراءات الأمنية في المنطقة، حطّ هذا الإرهاب في قلب ما كان يُسمّى بـ"المربّع الأمني" سابقًا، في ​حارة حريك​، قرب مطعم الجواد تحديدًا.

بُعيد الرابعة عصرًا، وفي مكان لا يبعد سوى نحو مئتي متر من مقر المجلس السياسي لـ"حزب الله"، وقع الانفجار الآثم وتسبّب بحفرة كبيرة امام المبنى القديم لتلفزيون "المنار"، انفجارٌ رجّحت المعلومات أن يكون انتحاريًا بفعل العثور على أشلاء بشرية يعتقد انها لمنفذ العملية داخل سيارة رباعية الدفع من نوع "غراند شيروكي" زيتية ركنت قرب مبنى كزما، وقد فخخت بنحو 20 كيلوغراماً من المواد المتفجرة.

الحصيلة الرسمية للتفجير بلغت أربع شهداء ونحو 77 جريحًا معظمهم عادوا إلى منازلهم، في حين بقي بعض من وُصِفت حالتُهم بالحرجة، في وقتٍ عُلِم أنّ سيارة الانتحاري بيعت قبل نحو سنة من مالكتها هـ. م. ع. إلى سامي الحجيري الذي سلم نفسه إلى مخابرات الجيش، وبحوزته مستندات تثبت أنه قام ببيع السيارة. وذكرت قناة "المنار" أنّ السيارة بيعت من قبل سامي بموجب وكالة الى (ع. ا. ا.) من بلدة عرسال وسكان مشاريع القاع الذي سلّمها الى صهره (ر.أ.) الذي على صلة بسامي وإبراهيم أ. اللذين ارتبط اسمهما بالتفجير الإرهابي في الرويس.

إداناتٌ لا تنفع..

وعلى جري العادة بعد كلّ تفجيرٍ إرهابي، يأخذ السياسيون "استراحة" من هوايتهم المفضّلة وفي صدارتها "التحريض" ويلجأون إلى إظهار "التضامن" الذي بدأ يتّخذ صفة "المزيّف" أكثر فأكثر، خصوصًا بعد أن أثبتت التجارب أنّ هذا التضامن لا يدوم أكثر من أربعٍ وعشرين ساعة، يعود بعدها رافعو شعاره لـ"الاستفزاز" و"التحدّي" وكأن شيئًا لم يكن، قبل أن يباهتهم "الإرهاب" من جديد.

هكذا، وبعد أقلّ من ساعة على وقوع التفجير الإرهابي في حارة حريك، كرّت سبحة الإدانات، وتناوب السياسيون على الإدلاء بدلوهم على هذا الصعيد بل على المزايدة على بعضهم البعض، وبين هؤلاء للمفارقة من كان قبل ساعةٍ واحدة يدعو لتشكيل حكومةٍ أحادية "مهما كان الثمن" و"أيًا كانت الفاتورة".

وفي حين فضّل كثيرون الابتعاد عن السياسة وتغليب المصلحة الوطنية، كما قال رئيس حزب "الكتائب" ​أمين الجميل​، الذي حذّر من أنّ المركب سيغرق بكل من فيه ولن يستطيع اي فريق ان يخلص نفسه بنفسه، لفت بيان الاستنكار الذي صدر عن رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، والذي لم يوفّر فيه "حزب الله" من انتقاده بقوله أنّ "المواطنين الأبرياء في الضاحية هم ضحية جرائم إرهابية وإجرامية تستهدفهم منذ أشهر، وهم في الوقت عينه ضحية التورط في حروب خارجية، وفي الحرب السورية خصوصا، التي لن يكون للبنان ولأبناء الضاحية تحديدا اي مصلحة في تغطيتها او المشاركة فيها".

في المقابل، اعتبر "حزب الله" على لسان نائب أمينه العام الشيخ ​نعيم قاسم​ أنّ "لا قيمة ولا اهمية للجهة المنفذة لانها خرقاء ومأجورة"، وإذ رفض الرد على ما وصفها بـ"الافتراءات"، رأى أنّ "مخطط الاجرام بكل الوانه واشكاله سيشرب الجميع من كأسه المرة والرد عليه هو بالتفاهم السياسي والمسارعة لتشكيل حكومة وحدة وطنية لاننا اذا حصننا واقعنا الداخلي باللحمة تعطل البيئة الحاضنة للارهابيين واستثمار هذه الاحداث".

هل ألغيت حكومة الأمر الواقع؟

بالسياسة، كانت حكومة الأمر الواقع في المقدّمة خلال الساعات الماضية، بعد تسريب المصادر المقرّبة من كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام معلومات تفيد بأنّ هذه الحكومة ستبصر النور خلال أيامٍ قليلة، بل إنّ بعض المصادر الصحافية بدأت تتحدّث بالأسماء التي ستضمّها هذه التشكيلة المُنتظرة.

وفي حين لفتت مصادر متابعة إلى أنّ التفجير الإرهابي الذي وقع في حارة حريك سيؤجّل بعض الشيء هذه الخطوة لكنه لم ينسفها بالكامل، لفت ما نقلته صحيفة "النهار" عن مصادر مواكبة لجهود تأليف الحكومة لجهة قولها أنّ إمكانات ولادة تشكيلة حكومية في المدى القريب تلاشت بعد انفجار الضاحية الجنوبية، مشيرة إلى أنّ لبنان عاد الى المربع الاول للأزمة، حيث لا حلول وصارت الكلمة للتطورات الامنية بدلا من الجهود السياسية، في حين شدّدت أوساط رئيس الجمهورية فيالمقابل على أنّ الاتصالات بين القوى السياسية ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف لا تزال قائمة للبحث في امكان "حكومة جامعة"، واستنفاد كل الوسائل لإسقاط الشروط والشروط المضادة القائمة في وجه حكومة كهذه.

وكان موقف لافت صدر عن رئيس حزب "الكتائب" أمين الجميل بعيد الانفجار اعتبر فيه أنّ "الظروف الاستثنائية تقتضي حكومة استثنائية"، في حين أعلن رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط أنّه مع تشكيل حكومة تشمل جميع الافرقاء، قائلا انه "على موقفه الثابت من حكومة جامعة"، جازمًا أنّه لن يعطي أيّ ثقة لأيّ حكومة تستثني أيّ فريق.

كلمة أخيرة..

قبل أسبوع، ضرب "الإرهاب" في وسط بيروت، وسقط عددٌ من الشهداء الأبرياء بينهم الوزير السابق محمد شطح، الذي كان المُستهدَف من الانفجار.

بالأمس، ضرب "الإرهاب" في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وسقط عددٌ آخر من الشهداء الأبرياء دون أيّ ذنب سوى أنّهم مرّوا بالصدفة من المكان.

في يوم انفجار ستاركو كما في يوم انفجار حارة حريك، تناوب السياسيون على نثر الشعر عن أهمية التضامن والوحدة في مواجهة كلّ مخططات الإرهاب.

وبين الانفجارَين، وما يُرجّح أن يحصل بعد الانفجار الثاني أيضًا، سيعود نفس السياسيين ليتناوبوا على "تحدّي" بعضهم البعض و"تحريض" أنصارهم كذلك الأمر، وذلك حتى يضرب "الإرهاب" ضربة جديدة.

ربّما حان الوقت لـ"ثورة" ضدّ هذا النهج بالتعاطي، حان الوقت لـ"تضامن" حقيقي لا "مزيّف" يؤسس للبنان الذي يريده الشعب فعلاً وقولاً!