إذا كان الانفجار الأخير الذي هزّ منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت قد "فرمل"، كما يُقال، الخطط القاضية بتشكيل ما سُمّيت بحكومة الأمر الواقع، فإنّ الساعات القليلة الماضية كانت كافية بإعادة كلّ الأمور إلى "المربّع الأول" و"نقطة الصفر"..

هكذا، عاد الفريق الموالي لحكومةٍ من هذا النوع إلى "التحفيز" عليها بوصفها "ضرورة قصوى"، فيما عاد الفريق المعارض للتحذير والتنبيه من تداعياتها على الواقع العام للبلاد، وهو المتأزّم أصلاً بحكومة وبلا حكومة، في حين عاد الحديث هنا وهناك عن "صِيَغٍ جديدة" يتمّ طرحها أو في أحسن الأحوال "تدويرها".

وسط ذلك، بقي الهاجس الأمني مسيطرًا على كلّ ما عداه، خصوصًا في ضوء "الشائعات" التي كثر تداولها عن احتمال حصول تفجيراتٍ جديدةٍ بالجملة، بل إنّ هذه التفجيرات ستستهدف أماكن مكتظة، ولم تسلم المراكز التجارية من هذا التحذير، لتبقى قلوب اللبنانيين على أيديهم، في مشهدٍ يُخشى أن يصبح هو السائد بعد أن توغّل الإرهاب في العمق اللبناني.

بين حكومة الأمر الواقع والحكومة الجامعة..

في الوقت الذي كان مقرّرًا أن تبصر "حكومة الأمر الواقع" النور، عاد الحديث عن مساعٍ حثيثة تُبذَل لتشكيل "حكومةٍ جامعة"، يُقال أنّ رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط هو "عرّابها"، ولو أنّ كلّ المعطيات تشير إلى أنّه لا يزال يصطدم بالشروط والشروط المضادة، التي عادت إلى العلن كما لو أنّ شيئًا لم يكن.

وفي حين سُجّل خلال الساعات الماضية اجتماعٌ بين رئيس الجمهورية ​ميشال سليمان​ ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام غادر الأخير بعده قصر بعبدا دون الإدلاء بأيّ تصريحٍ، لفت كلامٌ لرئيس الجمهورية خلال افتتاح غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت حيث تساءل عمّا إذا كان عدم التوافق على الحكومة الجامعة يحتّم علينا البقاء دون حكومة، وسأل: "ألا يحق للبنانيين الذين لا ينتمون إلى أطراف أن يساهموا في نهضة البلد؟"

موقف سليمان عاد وأوضحه الوزير المحسوب عليه ناظم الخوري الذي أكّد أنّ الرئيس سليمان منذ الأساس كان ولا يزال ميالاً إلى الحكومة الجامعة، ولذلك طالت عملية التأليف كثيراً، مشيرًا في الوقت عينه إلى أنّ القرار النهائي يبقى لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة المكلف.

وفي وقتٍ تفاعل الحديث الذي أدلى به رئيس المجلس النيابي نبيه بري لـ"النشرة" والذي كشف فيه عن عملٍ جارٍ على "تدوير الزوايا" في صيغة 8-8-8 الحكومية، رافضًا البوح بالتفاصيل، مكتفيًا بنفي أيّ علاقة بين اقتراحه وصيغة "الوزير الملك" لكلّ فريق ضمن حصّة الوسطيين، استوقف الانتباه ما نقلته صحيفة "عكاظ" السعودية عن مصادر وصفتها بالسياسية المطلعة لجهة قولها أنّ "ساعة الصفر لإعلان تشكيل الحكومة انطلقت" بل أنّ "الحكومة سترى النور خلال أيام، سواء نجحت مساعي جنبلاط أم لم تنجح".

الرياض تدين.. وواشنطن تحذر!

وسط كلّ هذه السجالات السياسية التي لا تنتهي، احتفظ الهاجس الأمني بالصدارة على كلّ شيء، وهو ازداد خلال الساعات الماضية على وقع التحذير الذي صدر عن السفارة الأميركية في بيروت الذي لم يتوقف عند دعوة المواطنين الأميركيين لتجنّب السفر إلى لبنان أو تجنّب بعض المناطق "الحسّاسة" على جري العادة، بل امتدّ ليشمل كلّ أماكن الاكتظاظ، إذ حثت السفارة المواطنين الاميركيين في لبنان على "توخي الحذر الشديد وتجنب الفنادق ومراكز التسوق على النمط الغربي، بما في ذلك تلك التي على النمط الغربي وسلسلة المتاجر، وأي مناسبات عامة أو اجتماعية حيث يتجمع عادة مواطنو الولايات المتحدة، لأن هذه المواقع هي الأهداف المحتملة للهجمات الإرهابية على الأقل في المدى القريب"، كما ورد في بيان السفارة.

وفي سياقٍ متصل، لفتت "الإدانة" التي صدرت عن مجلس الوزراء السعودي لتفجيري الضاحية الجنوبية وستاركو على حدّ سواء، واللذين ذهب ضحيتهما عدد من الأرواح البريئة، ودعت الحكومة "الأفرقاء اللبنانيين كافة إلى الاستماع للغة العقل والمنطق، وتغليب مصلحة وطنهم على المصالح الفئوية الضيقة التي تستنزف لبنان ومقدراته، وتهدد أمن واستقرار شعبه"، مؤكدة ضرورة بسط سلطة الدولة وجيشها على الأراضي اللبنانية لإيقاف العبث بأمن لبنان واللبنانيين.

في المقابل، وفي استكمالٍ لترجمة الصراع الإقليمي على الأرض اللبنانية، وعلى وقع الاتهامات المتبادلة بالمسؤولية عن التفجيرات داخل لبنان، تحدّثت صحيفة "البعث" السورية عن "بصمات سعودية وسط ألسنة اللهب التي تأكل جنوب لبنان وشماله"، قائلة أنّ "في عشرات المدن العراقية المشتعلة قرائن لا تترك مجالاً لتبرئة الرياض من تهمة حصد الأرواح بالجملة"، على حدّ تعبيرها، بل إنّها تحدّثت عن شبهة حول البصمات ذاتها في الإرهاب الذي طال مدينة فولغوغراد الروسية، وقال: "لقد بات آل سعود في مواجهة ساخنة ودامية مع العالم أو ربما مع بني البشر، وعلى الأرجح لو تيقنوا من حقيقة الكواكب الأخرى المأهولة لباغتوا كلاً منها بـ "رتل" سيارات مفخخة".

كلمة أخيرة..

هو الوضع الداخلي الهشّ إذًا والذي يصرّ السياسيون على الزيادة من هشاشته أكثر فأكثر..

ولعلّ من يعود إلى "التقرير اليومي" الأخير يوم الجمعة الماضي بعيد انفجار الضاحية الجنوبية يدرك ذلك، حيث لم يمنع مظهر "التضامن المزيّف" الذي بات من "العادات اللبنانية" من توقع "انفلات" الأمور بعد ساعاتٍ قليلة، ليعود كلّ فريقٍ لتمركزه، وكأنّ أيّ "إرهابٍ" لم يحصل، وكأنّ أيّ شهيدٍ لم يسقط..

ومع ذلك، فإنّ الشهداء لا يزالون يتساقطون الواحد تلو الآخر، وآخرهم الشهيد الزميل في قناة "المنار" عباس كرنيب الذي سقط بالأمس بعدما قاوم الجروح التي تعرّض لها إثر الانفجار، واحترام هذه الأرواح البريئة لا يكون إلا بمنع الإرهاب من تحقيق أهدافه ونشر الفوضى في الداخل اللبناني..