مثل البورصة، ترتفع فرص الحكومة الجامعة وحكومة الأمر الواقع أو تنهار..

لعلّ هذه الصورة العامة تختصر المشهد الحكومي الذي شهد "خرقًا" قد يكون الأول من نوعه منذ أشهرٍ طويلة، على مسافة ساعات من إعلان ما سُمّي بحكومة الأمر الواقع..

على وقع "الضغط" الذي أحدثته "النيّة"، نشطت الاتصالات وتحوّل ما كان "مستحيلاً" قبل فترة وجيزة إلى "تنازلٍ ممكن" من أجل مصلحة البلد، كما يُقال.

هكذا، عادت صيغة "8-8-8" الحكومية إلى الحياة، بعدما دُفِنت وشبِعت موتًا من قبل البعض، وهو للمفارقة نفس البعض الذي أعاد إحياءها، معتمدًا تكتيكًا إستراتيجيًا بدَت كلمة السرّ فيها مؤلفة من عبارتَين لا تزالان تبحثان عن ترجمة: تدوير الزوايا!

بين سليمان و"الخليلَين"..

"بالطبع هناك سعيٌ جديٌ مع تدويرٍ للزوايا من أجل تأليف الحكومة الجامعة والوفاقية، ويتركز كلُّ العمل وفق هذه الأجواء"، قالها رئيس المجلس النيابي نبيه بري موحيًا بأنّ حلاً ما للأزمة الحكومية المستفحلة بات في الأفق، علمًا أنّه حرص على القول بأنّه يرحّب بـ"كلّ شيء" ما عدا مسألة العزل لأي فريق.

هكذا إذًا، تغيّرت كلّ المُعطيات بسرعةٍ قياسية خلال الساعات الماضية. بات "كلّ شيء" مقبولاً إلا العزل. هو ربّما "تدوير الزوايا" الذي يتحدّث عنه بري منذ أيام، أو هو "حفظ ماء الوجه" كما يقول البعض. المهم أنّ صيغة 8-8-8 باتت مقبولة، وحولها تتمحور الاتصالات واللقاءات، التي سُجّل أبرزها في قصر بعبدا وجمع بين رئيس الجمهورية العماد ​ميشال سليمان​، ومن باتا يُعرَفان بـ"الخليلَين"، في إشارة إلى وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل ومستشار الأمين العام لـ"حزب الله" الحاج حسين الخليل.

وبحسب قناة "المنار" التي نشرت محضر هذا اللقاء، فقد طلب الخليلان من سليمان عدم توقيع مرسوم حكومة امر واقع لما ستؤدي اليه مثل هذه الحكومة لكن الرئيس اكد انه لا يستطيع ان يعطي مثل هذا الإلتزام خصوصا اذا بقي الفريق الآخر على رفضه إذ سيكون عندها مضطرا لتشكيل حكومة مع رئيس الحكومة المكلف تمام سلام. وقد اتفق الفريقان على متابعة التشاور لا سيما وان الرئيس سليمان طرح بتشكيلة 8+8+8 وان الوزير التاسع يكون من حصته.

خزعبلات وتركيبات..

وفيما تُطرَح الكثير من علامات الاستفهام حول مصير الأجواء الحكومية التي وُصِفت بـ"الإيجابية"، خصوصًا بعد "تنازل" قوى الثامن من آذار، بحدّ وصف وزير الدولة في حكومة تصريف الأعمال علي قانصو، الذي لفت في حديث لـ"النشرة" إلى أنّ بعض المؤشرات توحي بالسلبية لناحية جواب قوى الرابع عشر من آذار عليه، سُجّلت تسريبات إعلامية "مفرطة في التفاؤل" في مقابل "أجواء سلبية" لا تزال تسيطر.

هكذا، لم يتردّد الإعلام ليلاً في الحديث عن "صيغة شبه جاهزة" لا تنتظر سوى موافقة تيار "المستقبل" وتحديدًا رئيسي الحكومة السابقين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، بل ذهب البعض لحدّ القول أنّ الحريري أبدى موافقته عليها، قبل أن تنفي مصادر نيابية في كتلة "المستقبل" ذلك، موضحة لصحيفة "الأخبار" أنّ "الأمر يحتاج إلى أكثر من مبادرة ونقاش سريع، فهناك أسئلة لا يملك أحد الإجابة عنها، وهي الصيغة الحكومية، الوزير الملك، البيان الوزاري والحقائب، وحتى الآن لم يتم التطرق إلى أي منها".

وعلى خط موازٍ، لفت ما نُقِل عن مصدر وُصف بـ"المسؤول" في حزب "​القوات اللبنانية​" لجهة قوله أنّ "أي تركيبة من التركيبات الاصطناعية، وخصوصاً إذا لم تكن حكومة سيادية فاعلة ومفيدة للناس، لا تعنينا في شيء"، مشدّدًا على أنّ هذه التركيبات والخزعبلات لا تصنع حكومة.

وسط ذلك، استمرّت التحذيرات من الإقدام على تشكيل حكومة أمر واقع، حيث رأى رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون أن تأليف الحكومة "من دون رصيد" يشكّل خرقًا للمواد الدستورية الميثاقية، وشدّد على عدم جواز تخطّي النواب في تأليف الحكومة لأنّهم يمثّلون الشعب، مشيرًا إلى أنّ التهديد بتأليف الحكومة يعني أنّ الحكومة هي غير دستوريّة وغير شرعيّة، لأنّ التهديد يكون عادةً بعدم تأليف الحكومة. وفي السياق نفسه، برز موقف لافت لرئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد حذّر فيه من تأليف حكومة أمر واقع، معتبراً أنها "حكومة رعاية داعش".

كلمة أخيرة..

في ظلّ تصاعد وانهيار فرص الحكومة الجامعة على أساس البورصة، بقيت "الشائعات" و"المخاوف" على الصعيد الأمني هي الثابتة الوحيدة في مكانها في لبنان..

هكذا، فرغت الأسواق التجارية من روّادها، وخفّت حركة السير بشكلٍ كبيرٍ، الأمر الذي عكس حالة "رعبٍ" بات يعيشها المواطنون الخائفون على أن يسقطوا ضحايا إرهابٍ من هنا أو هناك، ونشطت "الحرب النفسية" على هذا الصعيد، وهي حربٌ يبدو أنّها ستستمرّ في التصاعد حتى الانفجار المقبل، الذي يأمل اللبنانيون أن لا يحصل في نهاية المطاف.

ويبقى الأمل الأكبر أن يتّعظ السياسيون عمليًا ويدركوا أنّ المطلوب في مرحلةٍ خطيرة كالتي يمرّ بها الوطن أن يتّفقوا أقلّه على حماية البلد، لا أن يزيدوا الأمور تعقيدًا ومأساوية!