لم يكد اللبنانيون يتنفّسون الصعداء بعد "بشرى" التوصّل إلى "صيغة حلّ" حكومية من شأنها أن تقيهم "شرّ" ما سمّي بحكومة الأمر الواقع، حتى عاد "التخبّط" و"الإرباك" ليسيطرا على الملف، ويوحيا بأنّ الحلّ المنشود لم ينضج نهائيًا بعد..

فـ"البشرى" التي قيل أنّ نادر الحريري حملها معه، متمثلة بموافقة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على عرض الحكومة الجامعة وفق صيغة 8-8-8، لم تُترجَم عمليًا في بيان كتلة "المستقبل" الصباحي، على غير عادة، إذ عادت معه "النغمة القديمة الجديدة" عن حكومةٍ "من غير الحزبيين"، الأمر الذي دفع بعض العاملين على خط "الوساطة" إلى التساؤل عمّا إذا كان "في الأمر إنّ" أو أنّه "توزيع أدوار" مثلاً.

البيان، الذي شبّهه البعض بـ"الإنذار"، لم يلبث أن انعكس على الأجواء العامة التي استمرّت "ضبابية"، رغم بقاء حركة الاتصالات "ناشطة" واستمرار "بورصة" التفاؤل على ارتفاعها، عزّزها كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمام النواب عن "نَفَسٍ طويل وإيجابي"، لتعود صحيفة "المستقبل" وتتحدّث عن "أجواءٍ إيجابية".

بانتظار قرار "المستقبل"

ليل الثلاثاء الأربعاء، تصاعد "الدخان الأبيض"، وظنّ اللبنانيون أنّ الصيغة الحكومية "الجاهزة" باتت قابلة للاعلان، دون أن يعرفوا بطبيعة الحال كيف تمّ تخطّي كلّ المطبّات والعوائق التي واجهتها الكتل السياسية على مدى تسعة أشهر، والتي لا يبدو بعضها قابلاً لأيّ نوعٍ من "المساومة".

قيل أنّ هذه الصيغة تنتظر موافقة "المستقبل"، وسرعان ما أفرط البعض في "التفاؤل"، وتحدّث عن وصول هذه الموافقة مع وصول نادر الحريري إلى بيروت قادمًا من الرياض حيث حصل على موقف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من المبادرة الجديدة.

لكن، ووفق قاعدة "كلام الليل يمحوه النهار"، أتى كتلة "المستقبل" صباحًا ليحدّ من هذه الأجواء "الوردية"، إذ حرصت الكتلة على تكرار مواقفها السابقة لجهة مطالبة رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام "بتشكيل الحكومة الجديدة من غير الحزبيين لكي تفتح الطرق أمام الانفراجات المطلوبة وتُفسح في المجال امامها للانصراف الى معالجة مشكلات لبنان الامنية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة والملحة، على ان تحال باقي الملفات المتنازع عليها الى طاولة الحوار الوطني".

وفي حين أوضح عضو الكتلة النائب ​عاطف مجدلاني​ لـ"النشرة" عدم وجود قرارٍ نهائي من الكتلة لجهة الموافقة على الصيغة الثلاثية المستجدّة، لفت ما نقلته صحيفة "المستقبل" عن مصادر وصفتها بالمطلعة والمواكبة، حيث أكّدت أنّ الجو لا يزال إيجابياً، كاشفة أنّ التوافق "تم على صيغة 8-8-8 بحصص صافية ومن دون ودائع، حيث لا ثلث معطلاً لأي فريق أكان ذلك ظاهرياً أو مبطّناً، وأن الوزير الشيعي الخامس سيكون من حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان".

أسئلة وشروط..

التوافق تمّ إذًا، ولكنّ الدخان الأبيض لم يتصاعد بعد، وهو سيصطدم على ما يبدو بمجموعة من العوائق القديمة الجديدة بانتظار "تعليمة الخارج"، كما يقول بعض المتابعين.

ومن هذه "العوائق" بعض الأسئلة التي علّقت مصادر "المستقبل" الموافقة النهائية على التشكيلة، وقد أعلنها عضو الكتلة النائب ​نهاد المشنوق​، وهي "شكل الحكومة، الثلث المعطّل هل هو مقنّع أم غير مقنّع، البيان الوزاري واساسه اعلان بعبدا المداورة في الحقائب وأخيرا حق الفيتو عند رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف على أي اسم تطرحه عليهما القوى السياسية"، علمًا أنّ المشنوق جدّد اقتراحه قيام حكومة اقطاب تتولى مسؤولية البلد.

وبعيدًا عن هذه الأسئلة، ذهب بعض أركان "المستقبل" للحديث عن "شروط الحدّ الأدنى" وهي شروطٌ وُصِف بعضها بـ"التعجيزي" ورسم الكثير من علامات الاستفهام حول إمكان تبنّيها بشكلٍ رسمي من قبل قيادة التيار، في حين أعاد النائب عاطف مجدلاني في سياق حديثه لـ"النشرة" وضع انسحاب "حزب الله" من سوريا كمقدّمة لا بدّ منها لتأليف الحكومة، حيث شدّد على أنّ الموافقة على المشاركة بحكومة وحدة وطنية تشترط خروج "حزب الله" من سوريا وعودته الى لبنان كما اعلان التزامه باعلان بعبدا، لافتا الى أنّه موقف مبدئي لقوى "14 آذار" لن تتخلى عنه. وقال: "نحن ننظر لتراجعهم عن صيغة 9-9-6 وقبولهم بعدم الحصول على الثلث المعطل على أنّه بادرة خير نأمل أن تكون نافذة لاعلانهم عن الخروج من سوريا والالتزام باعلان بعبدا".

في المقابل، برز تصريح رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد لقاء الأربعاء النيابي، حيث أكد فيه أن الاتصالات مستمرة في شأن تشكيل الحكومة، وأنه يتابع تدوير الزوايا. وقال بري: "نفَسنا إيجابي وطويل في وجه العقبات، وسنتابع محاولاتنا حتى النهاية"، وكرّر في الوقت عينه تحذيره من أن "حكومة الأمر الواقع هي عزل للجميع، وستوجد مناخاً سلبياً يترك أثره ونتائجه على كل الاستحقاقات".

كلمة أخيرة..

مثل البورصة، ترتفع وتنخفض فرص "التوافق" على الحكومة الجامعة، وإن بقيت معلّقة على أسئلة افتراضية هنا وهناك..

لكن، أبعد من كلّ ما سبق، سؤالٌ لا بدّ أن يطرح نفسه عمّا استجدّ بعد تسعة أشهر من التفاوض الصعب حتى تبدو الأمور فجأة سهلة لهذه الدرجة. وإذا كان صحيحًا ما يُقال عن "تنازلاتٍ" قُدّمت، فلماذا انتظر أصحابها تسعة أشهر كاملة للقبول بها؟ وهل هي فعلاً "حكومة الأمر الواقع" التي كادت تصبح "واقعًا" من لعبت لعبتها أم أنّ في الأمر "كلمة سرّ" تأتي من خارج الحدود على جري العادة؟

أسئلة قد تكون أهمّ من الأسئلة التي طرحها البعض وعلّق موافقته على الحلّ على أجوبتها، لأنّها تدلّ على أداء طبقةٍ سياسيةٍ كاملة بات بحاجة لإعادة نظر!