هي "المراوحة" بقيت سيّدة الموقف خلال الساعات الماضية، معطوفة على "تسريباتٍ" من هنا وهناك حول توافقٍ تارة وتباعدٍ يطيح بالتوافقات تارة أخرى..

هكذا، تنوّعت "المعلومات" المتداولة حول الصيغة الحكومية المستجدّة، فمرّة يُقال أنّ الصيغة جاهزة وأنّها لا تنتظر سوى موافقة "المستقبل" عليها، ثمّ يُقال أنّ "المستقبل" وافق قبل أن تُعلّق هذه الموافقة على أسئلةٍ خمس، يضيف إليها البعض "شروطًا" لم يُعرَف إذا كانت جدية أم لا، ليبدأ الصراع على فكرة "تدوير الزوايا" وتلقف "الكرة" وغيرها من المصطلحات "الفضفاضة" التي تزخر بها اللغة العربية..

المهم أنّ القوى السياسية توافقت على إبقاء "التفاؤل" مرتفعًا، على الرغم من كلّ المطبّات، ربما لإدراكها للانعكاسات "الكارثية" المحتملة لانهيار فرص "التوافق" على الواقع العام للبلاد، فيما ذهبت بعض المصادر للقول أنّ كلّ ما يحصل اليوم لا يعدو كونه "ضحكٌ على الذقون"، إذ "لا حكومة ولا من يحزنون"!

تدوير زوايا ومداورة..

تعتبر قوى الثامن من آذار أنها قامت بما عليها، وتنازلت بما يكفي للاسراع بتأليف الحكومة. ولعلّ مواقف أفرقائها خلال الساعات الأخيرة خير دليلٍ على ذلك، وهم الذين رموا الكرة في ملعب الفريق الآخر الذي عليه تلقفها وملاقاة "شركاء الوطن" في المقلب الآخر، وهو ما أوحى به عضو كتلة "التحرير والتنمية" النائب ميشال موسى، الذي قال لـ"النشرة": "دوّرنا الكثير من الزوايا لتخطي العقبات وقوى 14 آذار مدعوة اليوم لملاقاتنا عند منتصف الطريق".

الموقف نفسه صدر عن صاحب فكرة "تدوير الزوايا" رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي جدّد في حديث لـ"النشرة" وصف الأجواء العامة بـ"الإيجابية"، كما كرّر في سلسلة أحاديث صحافية تأييده لصيغة 8-8-8 "مع تدوير للزوايا واجراء مداورة في الوزارات". وقال: "هذا ما اعلنته أمام رئيس الحكومة المكلف ​تمام سلام​ منذ اليوم الثاني لتوليه هذه المسؤولية ولا ازال عند موقفي". وشدد على ان تكون المداورة "شاملة للوزارات من دون استثناء وتطاول جميع الجهات لان الاستثناء يفرط هذا الامر". واكد بري تأييده لتدوير الزوايا في كل شيء "الا ما يتعلق بالعزل الذي لا نقبل به"، لافتاً الى ان الرئيس ميشال سليمان "لا يقبل بعزل حزب الله ولا سواه من القوى السياسية".

وإذا كانت مسألة البيان الوزاري عادت لتطفو على السطح، خصوصًا مع اشتراط قوى الرابع عشر من آذار التزام "إعلان بعبدا" وذهاب البعض للقول أنّ ذلك يتطلّب إعلاناً مُسبقًا وواضحًا من "حزب الله" بالانسحاب من سوريا، لفت موقف لبري أشار فيه إلى أنّه متفق مع الرئيس سليمان على تأجيل البيان الوزاري "ولا يعني ذلك ان هذا الامر لا يسبب مشكلة"، فيما نُقِل عن رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط رفضه استباق الأمر، لافتًا إلى "اللغة العربية غنية بالتعابير".

الحكومة الحيادية تبقى واردة..

وفيما شدّد رئيس المجلس النيابي على أنّ الرئيس حكم وحاكم "والرئيس سليمان عندما يجد اطرافا الى جانبه يؤيدون حكومة جامعة فهذا يعني انه لن يتخلى عن هذا الدعم وسيكون حكما في هذا الميدان"، كان لافتًا خلال الساعات الماضية أنّ ما سُمّي بالحكومة الحيادية أو حكومة الأمر الواقع لم تُسحَب عمليًا عن الطاولة، وبقي التلويح بها من قبل العديد من القوى السياسية ساري المفعول، على الرغم من أنّ مصادر مطلعة كانت قد أكدت لـ"النشرة" أنّ حظوظ حكومة من هذا النوع قد تراجعت إلى حدّ كبير، حتى من قبل بعض المروّجين لها في الفترة الماضية.

وفي هذا السياق، لفت ما نقلته صحيفة "الأخبار" عن مصادر رئيس الحكومة المكلف تمام سلام لجهة قولها أنّه سينتظر حتى يوم الثلاثاء المقبل، "فإذا لم تظهر إيجابيات تساعد على ولادة حكومة الثلاث ثمانات، فسيتجه إلى صيغ أخرى أبرزها الحكومة الحيادية". وبحسب "الأخبار"، فقد نقل مقربون من سلام عنه قوله إن مهلة التأليف ليست مفتوحة، وإن عليه البحث عن صيغة أخرى في حال لم يتم التوافق على تأليف حكومة سياسية جامعة.

في غضون ذلك، ذكرت صحيفة "النهار" أنّ قصر بعبدا لم يتبلّغ رسمياً بعد أي موقف من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ومن سائر مكونات 14 آذار بقبول صيغة الثلاث ثمانات، وما وصل الى دوائر القصر الجمهوري عبر قنوات شخصية ان الحريري يفكّر في هذه الصيغة ويتعامل معها ايجابا، علمًا أنّ رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة سيزور الرئيس سليمان في الساعات المقبلة بعدما قام مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق خليل الهراوي بزيارة السنيورة في موازاة قيام الوزير وائل ابو فاعور بتكليف من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بزيارة سلام لعرض مستجدات التأليف.

في المقابل، لفت موقف لرئيس حزب "الكتائب" أمين الجميل قال فيه أنّ "الكتائب" لا تتوقف عند شكل الحكومة، "فما يهمنا هو بيانها الوزاري وقدرتها على تطبيق هذا البرنامج أكثر من التوقف عند الارقام التي تطرح بشكل لا يفي بالغرض المطلوب في تحقيق المصالح الوطنية".

كلمة أخيرة..

الأجواء تفاؤلية إذًا، أو هكذا يحاول السياسيون أن يقولوا للرأي العام، ولكنّ هذا الرأي العام يُفترض أن يكون أخذ العبرة من تجاربه السابقة، والمريرة بمعظمها، أن لا يصدّقوا شيئًا إلا بعد أن يروه بأعينهم..

الأجواء تفاؤلية، ولكنّ العبرة تبقى في الخواتيم، وقبلها في كيفية التعاطي معها، ذلك أنّ انهيار التفاؤل فجأة والعودة إلى المربّع الأول قد لا يكون محمودًا، وهنا المسؤولية الكبرى التي على السياسيين تحمّلها قبل أن يفوت الأوان ولا يعود هناك مجالٌ للندم.