غالباً ما يكون الكلام على وقع سقوط الشهداء والتفجيرات الإرهابية عبثياً، خاصةً عندما نرى أنَّ معظم طبقتنا السياسية لا تُتقن سوى علك الكلمات التقليدية والشعارات الفضفضاضة في الأحداث الأليمة... لكن ذلك لا يحجب في مطلع ال2014، الإشارة إلى عدد من التحديات الوجودية والخطرة.

فالإرهاب التكفيري الذي سبق وحذرت قوى عدة من خطره، ومن مصادره الفكرية التي أسست لعملياته وقذاراته، بات فيما بيننا، وتبين أن الإرهاب ليس مهرجاً "مهضوماً" أو "طوم إند جيري" كما تعاملَ بعض القوى السياسية مع الأسير وغيره، عن غباء أو عن تآمر لا فرق، وتبين أن "جبهة النصرة " وداعش" ومن لف لفهما هي قوى تذبح وتقطع الرؤوس باسم الدين الذي تأسره وتفسره على هوى "أمرائها".. ولم يعد يجدي طمر رأس النعامة في الرمال كما فعل البعض، ومواجهة التكفير هي واجب إنساني ووطني وأخلاقي بالدرجة الأولى، وهذه المواجهة تكون بالإشارة إلى الإرهاب وداعميه ومصادره الفكرية التي يستقي منها تبريراته، والإلتفاف حول الجيش وليس بالتبرير أو التجاهل كما فعل بعض من زار عرسال نافياً وجود "القاعدة"! طبعاً بات استعمال شماعة "حزب الله" لتبرير الإرهاب بالياً، ففي روسيا حيث تفجر الإنتحاريات أنفسها لا يوجد حزب الله، ولم يكن هناك من "حزب الله" عندما ضُربت أبراج نيويورك، وليس طبعاً في ألبانيا وأوروبا ومصر وغيرها حيث يؤرق الوحش التكفيري مسؤولي المخابرات والأمن...

هذا الإرهاب الذي يتقاطع مع توسع هوة الإنقسام المذهبي في لبنان والمشرق، يترافق مع مخاطر الفراغ الداهم والتعاطي الصبياني مع استحقاقات تأليف حكومة جديدة، ويقود إلى تأكيد أهمية تحقيق استقرار في البلد وحمايته. جوهر هذا الإستقرار هو استحقاق رئاسة الجمهورية، لا بل استحقاق عودة الجمهورية!

إن المطلوب من هذا الإستحقاق أن تُستعاد رئاسة الجمهوية من قبضة طبقة ما بعد الطائف التي أوصلت إلى الرئاسة رؤساء لا يتمتعون بحيثية شعبية وتمثيلية تمنحهم الدعم الكافي للعب دورهم الإنقاذي الدستوري. فالنظام لا يمكن أن يستقيم في وقت يأتي إلى رئاسة المجلس النيابي والحكومة الزعيمين الذين يمثلان الإتجاه الأقوى لدى السنة والشيعة، في حين نترك رئاسة الجمهورية لشخصيات لا أرضية شعبية لها وتنصرف إلى مواجهة الزعامات المسيحية الشعبية على ساحات النفوذ، وهمومها محلية الطابع!

إن صرخة "نريد رئيساً" التي أطلقها الرئيس الشهيد بشير الجميل قبل 32 عاماً، تهدر اليوم مجدداً في ضمائر الطبقة السياسية المسيحية، لانتخاب رئيس يكون "صاحب رؤية وطنية تبلغ حد الحلم، لا صاحب شهوة سياسية لا تتعدى حدود الحكم"! كما أن التهاء القوى الإقليمية بهمومها الكبيرة، والتحولات الدولية، تمنح الطبقة السياسية البنانية فرصة بناء قواعد داخلية مستقلة نسبياً للرئاسة في شكل شبيه بانتخابات 1970، عسى أن تتيقن الطبقة السياسية أن الحل يجب أن يكون لبنانياً أولاً، لا في همسات السفراء، ولا في "المكرُمات" المفاجئة والمشبوهة!