الحكومة الجامِعة.. تكاد هذه العبارة تصبح الأكثر تداولاً هذه الأيام في لبنان، وهي التي ارتفعت بورصتها بشكلٍ مفاجئ بعدما تصاعد التلويح بما سُمّي بـ"حكومة أمرٍ واقعٍ" هبطت بورصتها هي الأخرى سريعًا جدًا..

الأجواء إيجابية، يصرّ العاملون على خط هذه الحكومة الجامعة، وفي مقدّمهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط ومعهم، للمفارقة، رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الذي "شهد" بري على أنه يبذل "جهودًا كبيرة" لتسهيل الولادة الحكومية المنتظَرة.

لكنّ ما لفت في الساعات الماضية أنّ هذه "التسهيلات" لم تنزل لا بردًا ولا سلامًا على "حلفاء" الحريري في قوى الرابع عشر من آذار، ممّن ثارت ثائرتهم ضدّ ما اعتبروه "انقلابًا" على كلّ "الشعارات" التي رفعوها في الآونة الأخيرة.

أجواء إيجابية.. ولكن!

الأجواء إيجابية، قالها رئيس المجلس النيابي نبيه بري قبل أربع وعشرين ساعة، مشيرًا إلى أنّ رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري صار يبذل جهوداً كبيرة للتوصل إلى ولادة الحكومة وليس فقط القبول بالصيغة 8-8-8، رافضًا الحديث عن أسئلة وأجوبة وشروط، مفضّلاً وصف كلّ ما يدور في هذا الفلك بأنّها "مقترحات تحسينية" لا أكثر ولا أقل.

كلام بري تبعته اتصالات كثيفة في الساعات الماضية وزياراتٌ وُصفت بالمهمّة، لا سيما منها زيارة رئيس كتلة "المستقبل" فؤاد السنيورة إلى عين التينة حيث التقى بري وعرض معه للمساعي الجارية لتشكيل الحكومة، ووصف الاجتماع بـ"الجيد والمفيد"، مكتفيًا بالحديث عن "تقدّم على المسارات الصحيحة"، في حين أعلن عضو كتلة "المستقبل" النائب عاصم عراجي، في حديث لـ"النشرة"، أنّ الكتلة وافقت على طرح "8-8-8" وهي تنتظر موافقة "حزب الله" على استبدال ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة بإعلان بعبدا لتمضي بحكومة وحدةٍ وطنيةٍ.

حكومة التناقضات لن تفعل شيئًا!

وفي وقتٍ لفت موقفٌ لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان دعا فيه لقيام حكومة جامعة بأسرع وقت ممكن لأن الوقت اصبح ضاغطاً وداهماً، على أن يشارك الجميع من خلالها بتحمّل المسؤولية ومواكبة المرحلة المقبلة بكل استحقاقاتها ومواجهة الاوضاع بكل تطوراتها، برزت في المقابل مواقف "ممتعضة" من بعض مكوّنات قوى الرابع عشر من آذار، وفي مقدّمهم حزب "القوات اللبنانية" الذي رفض رئيسه ​سمير جعجع​ ما وصفها بحكومة "التناقضات" التي قال أنّها "لن تفعل شيئًا"، وتوجّه جعجع إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة تمام سلام بالقول: "كلّنا نريد حكومة وبأسرع وقت ممكن، لكن ليس كلّ حكومة هي حكومة"، ولفت إلى ان "حكومة التناقضات ستكون حكومة تناقضات، لا تلوي على شيء، لن تستطيع شيئاً، ولن تفعل شيئاً"، متسائلاً: "هل المهم فقط أن نقول أنّنا شكّلنا حكومة؟"

من جهته، أعلن منسق اللجنة المركزية لحزب "الكتائب" النائب ​سامي الجميل​ أنّ حزب "الكتائب" لن يشارك في الحكومة إذا لم تكن هناك تطمينات واضحة حول برنامجها وبيانها الوزاري وماذا ستفعل، وقال: "إذا لم يكن وجودُها لتصحيح الأخطاء وللعودة إلى منطق الدولة فمشاركتنا فيها مستحيلة". وأكد الجميل أنّ حزب "الكتائب" لن يقبل المشاركة في الحكومة إذا كانت هذه المشاركة "تغطية للسلاح او لمشاركة البعض بالصراع السوري"، وقال: "نحن بحاجة الى تطمينات اننا لا نأخذ البلد مجددا الى المجهول".

وفي حين رُسِمت الكثير من علامات الاستفهام حول "الانقسام المستجدّ" في صفوف قوى الرابع عشر من آذار على خلفية تأليف الحكومة، لفت ما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصدر في هذه القوى لجهة قوله أن "كل الاحتمالات واردة، وقد يدخل تيار "المستقبل" منفردا إلى الحكومة، في محاولة منه للاستفادة قدر الإمكان من لحظة تراجع حزب الله وحاجته في هذه المرحلة بالذات إلى تشكيل حكومة، إضافة إلى الوضع الأمني والسياسي المتأزم، من دون أن يعني ذلك التنازل عن ثوابته أو خلافه مع حلفائه".

ظريف في بيروت..

وسط ذلك، انشغلت البلاد خلال الساعات الأخيرة بالزيارة "الاستثنائية" التي قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بيروت، والتي التقى فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله إضافة إلى عددٍ من الشخصيات السياسية والروحية والدينية.

وكان ملف الحكومة بندا رئيسا إلى جانب الأزمة السورية على طاولة لقاءات ظريف، التي حضر عليها أيضًا ملف مؤتمر "جنيف 2" خصوصًا في اللقاء الذي جمعه بنظيره اللبناني عدنان منصور حيث أعلن ظريف أنّ هناك ثوابت في السياسة الخارجية الإيرانية وهي إقامة أفضل علاقات التعاون مع دول المنطقة لا سيما دول الجوار، مشيرًا إلى أنّ "السعودية تأتي في مقدمة هذه الدول".

وفي المواقف التي أطلقها ظريف على هامش زيارته، حيا الجهود السياسية "التي تبذل في لبنان من أجل الوصول إلى حكومة جامعة"، معتبرا ان "هذه الحكومة ستشكل درعا للبنان من مخاطر الارهاب"، مشيرا إلى ان "كافة المسؤولين الإيرانيين يتابعون التطورات السياسية الإيجابية في لبنان والتي تدل على جهود مشتركة لولادة الحكومة برئاسة رئيس الحكومة المكلف تمام سلام". وأكد ظريف على تصميم إيران "بالمضي قدما بالتعاون مع لبنان بمختلف الميادين وبما يلبي مصالح البلدين والشعبين"، معلنا "التزام إيران بكافة الاتفاقيات التي وقعت مع لبنان والاستعداد الكامل للمضي قدما بوضع بنود هذه الاتفاقيات موضوع التنفيذ".

كلمة أخيرة..

أجواء ولادة الحكومة الجامعة إيجابية إذًا، ولكنّها ما تزال تصطدم بالعقبات هنا وهناك..

ومن العقبات المستجدّة رفض حزبي "القوات" و"الكتائب" لمجاراة حليفهما في ما وصفتها "القوات" بحكومة "التناقضات"، الأمر الذي طرح الكثير من علامات الاستفهام حول مصير التوافقات في ضوء ذلك، فهل يدخل "المستقبل" وحيدًا إلى هذه الحكومة؟ أم يقنع حلفاءه بالدخول معه؟ أم تعود البورصة للتراجع وتصبح الحكومة في خبر كان؟

أسئلة كثيرة لا يبدو أنّ إجاباتها قد نضجت بعد..