كانت الأنظار كلّها متجهة إلى لاهاي صبيحة يوم الخميس، تزامنًا مع ما سُمّي بـ"انطلاق قطار العدالة" أو "اليوم التاريخي والاستثنائي"، في إشارة إلى بدء المحاكمات في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ولو بشكل "غيابي".

وفي حين رأى كثيرون أنّ ما حصل على صعيد المحكمة كان بمثابة "استعراض" فيما وضعه آخرون في خانة "الانتصار" الذي يأتي ليكرّس مفهوم "العدالة" الذي لم يعد مجرّد "خيار"، أبى الإرهاب على أن يطبع بصماته على الواقع اللبناني الهش، مستهدفًا من جديد المدنيين الأبرياء في قلب الهرمل هذه المرّة.

قد يكون تفجير الهرمل أتى أقلّ وقعًا بالنسبة للقوى السياسية التي بقي معظمها منشغلاً باستحقاق المحكمة، ولكنّ الأكيد أنه أتى ليكرّس واقعًا مأسويًا وأليمًا بات من واجب هذه القوى وضع حدّ له، حدّ يعتقد البعض أنّ الحكومة الجامعة كفيلة بوضعه، ما يفرض على "خصوم السياسة" أن "يتواضعوا" شيئًا فلا يعلّقوها على كلمةٍ هنا وحقيبةٍ هناك..

إرهابٌ في الهرمل!

من لاهاي إلى الهرمل، شخصت العيون صباحًا مع الأنباء عن انفجارٍ استهدف المدينة، التي وُصِفت سابقًا بأنّها "خزّان المقاومة"، كما لُقّبت بـ"مدينة الشهداء".

هذه المرة، اختارها الإرهاب المتنقل لتكون ضحيته، ليدفع كالعادة المدنيون الأبرياء ثمن ذنبٍ لم يقترفوه في لعبة وسخةٍ تمادى القتلة كثيرًا فيها.

هو انفجار سيارة مفخخة يقودها انتحاري ذلك الذي هزّ أرجاء المدينة في بداية النهار، انتحاري قالت المعلومات أنّه كان داخل سيارته يحاول ركنها أمام "البنك اللبناني الكندي" الملاصق لسرايا الهرمل الحكومية، لكنه لم يتمكن من ذلك، ما دفعه إلى تفجير نفسه، في سيناريو بدا شبيهًا بذلك الذي حصل في شارع العريض في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت مؤخرًا.

حصيلة الانفجار كانت ثلاثة شهداء انضموا إلى قافلة شهداء الإرهاب المتنقل التي يُخشى أن تتّسع أكثر فأكثر، ونحو 43 جريحاً، توزعوا على مستشفيات المدينة، اثنان منهم في حال الخطر، ما استدعى نقلهما إلى مستشفيات بعلبك، في حين تبيّن أنّ السيارة المفخخة هي من نوع "كيا سبورتيج" رباعية الدفع طراز 2010 تحمل لوحة مزورة رقمها 266271/م" تناثرت إلى قطع صغيرة، ليتبين لاحقاً أنها سرقت منذ نحو شهرين من منطقة انطلياس.

وعلى غير عادة، لم يحظ هذا التفجير الإرهابي بـ"نعمة" تضامن اللبنانيين "المزيّف" بفعل انهماك عددٍ من هؤلاء باستحقاق المحكمة الدولي، فبدا بدرجةٍ أقلّ من الانفجارات السابقة التي هزّت لبنان خلال الأشهر القليلة الماضية، علمًا أنّ "جبهة النصرة في لبنان" تبنّت التفجير، وقالت في بيانٍ لها أنّه "تم بفضل الله زلزلة معقل حزب ايران في الهرمل بعملية استشهادية فارسها احد أسود الجبهة في لبنان ردا على ما يقوم به الحزب من جرائم بحق نساء وأطفال اهل السنّة في سوريا"، على حدّ تعبيرها.

المحكمة من جديد..

على الرغم من استبعاد معظم القوى السياسية وجود أيّ "رابط" بين التفجير الإرهابي الذي ضرب الهرمل وانطلاق المحاكمات الغيابية في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، فإنّ قوى الرابع عشر من آذار حرصت على إيلاء استحقاق المحكمة الأولوية، مانعة انفجار الهرمل من حرف الأنظار عن يومٍ وصفته بالمشهود والتاريخي.

هكذا، ومن دون مفاجآتٍ استثنائية، انطلقت جلسات المحاكمة الأولى والتي خُصّصت بمعظمها لعرض فريق الدفاع لوقائع جريمة الاغتيال على ان يستكمل عرضه اليوم، علمًا أنّه جاء مطابقا تماما للقرار الاتهامي الذي اصدره قبل سنتين المدعي العام للمحكمة، حيث أبقى الادعاء الاتهام، في دائرة الافراد الخمسة المتهمين وحدهم، متجنّبًا توجيه الاتهام بشكلٍ مباشر لأيّ فريقٍ سياسي، مشيرًا في الوقت عينه إلى أنّ جهات داخلية وخارجية خطّطت لاغتيال الحريري بواسطة انتحاري (ليس أبو عدس) يقود سيارة "الميتسوبيتشي" البيضاء وبعبوة يعادل وزنها أكثر من 2 طن من الـ"تي أن تي" فجرّت يدوياً وليس لاسلكيا، مؤكداً أن المحكمة ستطبّق حقوق المتهمين بالحصول على محاكمة عادلة، وأن الشهود بإمكانهم عرض الأدلة أمام المحكمة.

ولعلّ الموقف الأبرز من سير المحاكمات أتى من رئيس الحكومة الأسبق ​سعد الحريري​ الذي وصف هذا اليوم بـ"التاريخي"، مجدّدًا القول أنّه يطلب العدالة لا الثأر، وإن أعرب عن أسفه "ان يكون هناك من اللبنانيين من باع نفسه للشيطان وتبرع لقتل رفيق الحريري"، مشيراً إلى أنّ "هذه الحقيقة جارحة وموجعة، ولكنها باتت حقيقة لا تنفع معها محاولات التهرب من العدالة والمكابرة"، فيما اعتبر اللواء جميل السيد من لاهاي حيث حضر جلسة للمحكمة أنه لا يجوز للحريري أن يبحث عن ضحايا بل عن العدالة، مشدّدًا على أنّ هذه المحكمة فاقدة للمصداقية.

كلمة أخيرة..

برأي كثيرين، "فرمل" تسارع الأحداث بالأمس الاندفاعة التي رُصِدت خلال الأيام الماضية على خط تأليف الحكومة، بحيث بدا متعذرًا الحصول على أخبارٍ جديدة حول الحكومة خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، بعد أن كانت الأمور معلّقة على نقطة البيان الوزاري ومعادلة "الجيش والشعب والمقاومة".

مع ذلك، يقول العاملون على هذا الخط أنّ "التفاؤل" لا يزال سيّد الموقف، وإن راوحت الأمور مكانها خلال الساعات الماضية، ولذلك يُرجَّح أن تعود الاتصالات الناشطة خلال الساعات المقبلة لحلحلة ما بقي من "الإشكاليات" حول بعض "التفاصيل"، حتى تبصر الحكومة النور نهاية الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل كأبعد تقدير، عشية مؤتمر جنيف 2.

وعلى أمل أن تصدق النوايا وتحصل الولادة الميمونة لحكومةٍ طال انتظارها، يواصل اللبنانيون البحث عن أمنٍ وأمانٍ بات على المسؤولين فرضه، مهما كان الثمن!