في 4 تشرين الأول 2012، هلل أبناء صيدا وفرحوا بعد أن زفّ لهم رئيس بلديتهم محمد السعودي خبر توقيع إتفاقية إطلاق مشروع إعادة تأهيل مكب النفايات. فعاصمة الجنوب التي "يكفيها ما فيها" كانت قد سئمت من هذه الكارثة البيئية، وكانت مستعدّة لكي تقوم بأي شيء للإستيقاظ من ذلك الكابوس القاتل. فرح أهل تلك المدينة، ولكن بحذر. فالجبل كبير جدًا، وتخيّل الحلّ النهائي بات بمثابة وهم... وسرعان ما فاجأهم فيديو مصوّر يكشف أعمال رمي عشوائي للنفايات في البحر، مما أثار انقساماً بين رأيين، فاعتبر البعض أن أبناء صيدا سقطوا ضحايا عملية غشّ وخداع، فيما البعض الآخر أكد أن المسألة هي بسبب حاجة لفتح طريق ضمن المكب لإخماد الحرائق التي تشتعل فيه بين الحين والآخر... وبعد أيام، نسي الجميع المسألة، وهدأت الأمور من جديد.

أما اليوم، فضربة جديدة تهزّ هذا الجبل الذي لم تهزّه الرياح منذ سنوات وسنوات. فقد علمت "النشرة" أن الهبة السعودية التي على أساسها تم البدء بتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع، التي تقضي بإنشاء حاجز بحري أو ما يعرف بكاسر الموج، قد تحوّلت... بطريقة "غريبة عجيبة" وفق ما يؤكد إقتصاديون، إلى سندات دين للدولة اللبنانية.

فالمملكة العربية السعودية كانت قد وافقت، من ضمن مساهمتها في برنامج إعادة إعمار لبنان، على تخصيص هبة تبلغ قيمتها 20 مليون دولار أميركي لتنفيذ مشروع يتعلق بإنشاء كاسر للموج في محيط مكب صيدا. وبعد أن كان مجلس الإنماء والإعمار قد أعد الدراسات اللازمة ومشاريع المراسيم لتنفيذ الأشغال البحرية وأشغال الردم في منطقة جبل النفايات في صيدا، أطلق المجلس مناقصة لتلزيم المشروع ووافق على تلزيمه للمتعهد خوري للمقاولات بمبلغ 28.910.250 دولار أميركي دون أن تشمله الضريبة على القيمة المضافة على الجزء الممول محلياً.

وافق مجلس الوزراء على اقتراح مجلس الإنماء والإعمار تمويل المشروع من الهبة المقدمة من السعودية، على أن يسدد الرصيد المتبقي من الإعتمادات المتوفرة لدى المجلس من الموازنة العامة من حصة الدولة في خطة النهوض.

وفي 31 كانون الأول 2009، تم فتح حساب مصرفي لدى مصرف لبنان باسم "المملكة العربية السعودية اشغال مكب صيدا"، بمبلغ 20 مليون دولار، يتم تحريكه من قبل رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر ومدير المحاسبة إيلي رحيم. ومنذ ذلك التاريخ يقوم المجلس دوريا، بحسب كتاب أرسله إلى رئيس مجلس الوزراء في 31 آب 2012، بإرسال طلبات سحب إلى مصرف لبنان لتسديد مستحقات متعهد المشروع، بشكل دوري، وكان آخرها في 13 آب 2012، حيث تم طلب سحب 982.729 دولار أميركي، ولم يتم تنفيذ ذلك من قبل المصرف نظراً "لعدم وجود رصيد كاف في الحساب لتغطية قيمته".

وبعد أن قام مجلس الإنماء والإعمار باستيضاح مصرف لبنان، تبيّن انه بتاريخ 10 كانون الثاني 2011، تم تحويل مبلغ 18 مليون دولار أميركي، بطلب من الهيئة العليا للإغاثة، من الحساب لصالح "ميدكلير" لشراء سندات "يوروبوندز"، استحقاق 12 نيسان 2021، وبالتالي، أصبح مجلس الإنماء والإعمار عاجزاً عن تسديد مستحقات متعهد المشروع بسبب عدم توفر رصيد كاف في الحساب.

وطلب رئيس مجلس الإنماء والإعمار من رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي اتخاذ ما يراه مناسباً لتسوية الوضع تفادياً لأي ملابسات قد تنتج عن عدم تسديد مستحقات المتعهد على المشروع.

يصف الخبير الإقتصادي إيلي يشوعي ما حصل بأنه بمثابة "ضرب"، بكل ما للكلمة من معنى، شارحاً أن "اليوروبوندز هو بمثابة سند دين للدولة اللبنانية بعملة أجنبية، تماماً كسند الخزينة الذي يكون بالليرة اللبنانية". ويوضح أن "تحويل الهبة إلى سندات "يوروبوندز" تعني أنه تم استخدام هذا المال لغاية مختلفة عن الهدف الذي قُدّم لأجله، وهذا نوع من سوء الأمانة تجاه الجهة المانحة، وإفراط بالمال". ويؤكد يشوعي أنه "في هذه الحالة، إما يتم الدفع للمتعهد من مصدر آخر، أو يتم تحويل سندات اليوروبوندز إليه إذا قبل بذلك، ولكنه لا يمكنه أن يستحقها قبل الـ2021 وإلا تحسم نسبة مئوية من تلك السندات".

ولكن، بأمر من تم تحريك الحساب المفتوح لدى مصرف لبنان والذي كان كل من الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة ورئيس مجلس الإنماء والإعمار قد أكدا أنه يتم تحريكه فقط من قبل رئيس المجلس نبيل الجسر ومدير المحاسبة إيلي رحيم لا سواهما؟ وكيف يتم تحويل المبالغ من الحساب وتحويرها عن هدفها واستعمالها لشراء سندات خزينة بالعملة الأجنبية من قبل الهيئة العليا للإغاثة؟ هنا، يحمّل يشوعي كامل المسؤولية للمصرف المركزي، الذي كان يجدر به ألا يحرّك هذا المبلغ إلا إذا طلبت الجهات المعنية ذلك.

تصوير حسين بيضون (أرشيف)