لا يُعدّ الوصول إلى منزل محمد النشار، قرب ساحة الشراع في مدينة الميناء، صعباً، فالمنزل المتواضع أضحى معلماً في المنطقة بعدما تحوّل إلى نقطة جذب شدت مختلف مندوبي وسائل الإعلام، الذين سارعوا قبل أيام إلى المنزل لتغطية قضية ابنته فاطمة، التي تعرّضت لعنف اسري على يد زوجها وأهله.

بعد الدخول إلى أحد أزقة المنطقة، بعد الاستدلال على المنزل الذي لا يختلف باب مدخله الحديدي، من حيث الشكل، كثيراً عن أبواب المنازل المجاورة، يفتح والد فاطمة الباب على نحو موارب، وبعد حديث هامشي قصير معه أمام مدخل المنزل، لا يتردد في طلب الدخول إلى منزله لمعاينة كيف يعيش مع عائلته.

يوضح والد فاطمة، أو أبو فؤاد كما يلقب، أنه يدفع 200 دولار ايجارا لمنزله المتواضع، لكن مهلاً، فالمنزل ليس أكثر من غرفتين ومطبخ وحمام، فضلاً عن باحته الداخلية التي تحوّلت إلى غرفة جلوس، لكن المفارقة أنها ليست مسقوفة، ما اضطر النشار إلى سقفها بألواح من «التوتياء» أو النايلون لتقيه وعائلته مياه الأمطار.

معالم الفقر في المنزل لا تخفى. «أنا أعيل 10 أفراد في هذا البيت»، يقول أبو فؤاد، فإلى جانبه وزوجته، التي تعمل في محل لبيع الألبسة براتب أسبوعي يبلغ 70 ألف ليرة، و4 أبناء (3 شباب وبنت واحدة)، أضيف إليهم لاحقاً في البيت ابنته فاطمة وأبنائها الثلاثة، فضلاً عن جنينها المفترض أن يرى النور بعد أشهر، فاطمة حامل في شهرها الثالث.

النشار الذي يعمل بائع قهوة جوّالاً حيناً، وحيناً آخر بائع كعك، «حسب الرزقة»، كما يقول، لم يعمل منذ نحو أسبوعين إلا يومين أو ثلاثة أيام، «لانشغالي بملف فاطمة، وأمس عندما خرجت للعمل كانت غلتي 25 ألف ليرة، لكنني اضطررت إلى أن أشتري بالغلة حليباً وحفاضات لأولادها».

لا يتأفف أبو فؤاد من حمله الثقيل، فهو يعيل ابنته وأولادها منذ أكثر من سنة بهذا الشكل، حتى يوم كانت في بيت زوجها، لكنه يأمل أن «نجد من يساعدنا، وخصوصاً لجهة تأمين الحليب والحفاضات للأطفال، أما الأكل والشرب، فلا مشكلة في تأمينهما، فالله لا يقطع بأحد».

بعد وقت قليل تخرج فاطمة من غرفتها إلى الباحة الداخلية للمنزل برفقة ابنها الصغير عبد السلام، الذي يبلغ سنتين من عمره، تقول إنها تنتظر ما ستصدره المحكمة العسكرية بخصوص قضيتها، لكون زوجها بلال سلطان قاسم جندياً في الجيش اللبناني، وأنها تأمل أن «تصدر حكماً يجبر الزوج على دفع نفقة أولادهما الثلاثة».

توضح فاطمة أن زوجها ومنذ الإفراج عنه بعد توقيفه، إثر اعتدائه عليها مع شقيقه ووالدتهما، «لم يتصل بي لا هو ولا أي أحد من قبله، ولم يرسل أي مبلغ مالي إلى أولاده، ولا حتى ملابس لهم».

تشكو فاطمة من أنها لا تستطيع الدخول إلى منزلها لجلب أغراض وملابس لها ولأولادها، وتسأل: «ما هذا القانون الذي يمنعني من دخول منزلي؟».

معاناة فاطمة لا تقف عند هذا الحد، بل إن أولادها الثلاثة يعانون مشاكل صحية مختلفة، كما أن زوجها أخفى عنها بطاقات استشفاء الطبابة العسكرية الخاصة بهم، ما حال بينها وبين الاهتمام بهم صحياً؛ فابنتها البكر نعمت (4 سنوات) تعاني التهابا مزمنا في الدم، وورما في رأسها، وإبنها الثاني سمير (3 سنوات) مصاب بمرض التلاسيميا، أما نجلها الثالث عبد السلام، فيعاني التلاسيميا ومرضا في القلب، ونقص أوكسجين في الرأس، ما حال دون قدرته على المشي بعد، برغم بلوغه السنتين.

وبعدما تدخل والدها محاولاً التخفيف من معاناتها ليقول إن «الله يُجرّب عبده»، توضح فاطمة أنها كانت تود أن ترسل ابنتها نعمت إلى المدرسة هذه السنة، «لكنني خفت أن تتعرّض للخطف من قبل والدها أو ذويه للضغط عليّ، ففضلت إبقاءها في المنزل».

لا يتحسّر والد فاطمة على ابنته فقط، بل على أولادها أيضاً، فقد «قُتلت طفولتهم باكرا»، لافتاً إلى أن حفيدته نعمت تقول دائماً لمن يسألها أن «جدو هو بابا!»، قبل أن تشير فاطمة إلى أنها تلقت «تهديدات كثيرة في السابق من زوجي على هاتفي الذي صادره مني، وأن حماتي كانت تردد أمامي دائماً أنها تريد تزويج ابنها ثانية».

معاناة فاطمة ازدادت تفاقماً بعدما توقفت المساعدات المادية والعينية التي كانت تصلها، وهي لما تزل في منزلها الزوجي، من غير أن تعرف السبب، برغم أن حاجتها إلى المساعدة أصبحت ملحّة أكثر حالياً.

توضح فاطمة أن أحد السياسيين «كان يرسل إلي مبلغاً شهرياً قدره 200 ألف ليرة لبنانية، وأن جمعيات وهيئات أخرى كانت تساعدها أيضاً بمبلغ مساوٍ، وهذه المبالغ كانت تسدّ تقريباً حاجتي من الدواء لأولادي، أما اليوم، فلا أعرف ماذا عليّ أن أفعل، ولا كيف أؤمن لهم ما يحتاجونه»، تقول والحيرة والقلق لا يفارقانها.