لا شك أنّ من يقوم بعمليات التفجير في لبنان يدرك ماذا يريد منها، بحيث أنّ هذه الأعمال لم تستهدف إلا مركزًا أمنيًا واحدًا وهو السفارة الايرانية برمزيتها، في حين أن التفجيرات الباقية كلها استهدفت الاماكن السكنية.

لا يمكن اعتبار استهداف الاماكن والاحياء السكنية عبثيا، وخصوصا بعد التفجيرات الاخيرة التي استهدفت حارة حريك للمرة الثانية، وأظهرت نقلة في اسلوب المُخطط، وطرحت العديد من التساؤلات عن الجهة التي قامت بها. لكن هنا تكمن التفاصيل، حيث ان التفجيرات الاولى التي استهدفت لبنان كانت ذات عصف انفجاري كبير ناتج عن حجم العبوات، الامر الذي تطلب تدخلا مباشرا من حزب الله ودفعه لاقامة الحواجز الامنية، حيث اوكل أمرها في مرحلة لاحقة للقوى الامنية اللبنانية على كل مداخل الضاحية بالتنسيق الكامل مع حزب الله نظرا لخبرته العسكرية. هذا التنسيق ساهم بالكشف عن اكثر من سيارة كانت معدة للتفجير بكميات كبيرة وحدّ من الانفجارات الضخمة التي كانت تستهدف المدنيين في الضاحية.

هنا تطرح فرضية أن المسؤول أو المُخطط لهذه العمليات وجد نفسه مضطرا لتغيير اسلوبه، فلجأ للانفجارات "الخفيفة" التي توصل رسالته ودون الوقوع في احتمال انكشافه، كما حصل في العديد من المناطق بالضاحية. وما يؤكد هذه الفرضية، هو تغير اسلوب التفجير حيث انتقل من السيارات المركونة على جوانب الطرقات، الى الانتحاري الذي يقود سيارة مفخخة، وهنا دخل العنصر الانتحاري لأول مرة كمعادلة جديدة أو كأسلوب جديد في طريقة التنفيذ.

تجدر الاشارة الى أنه في حال اخذت القوى الامنية العبر من تفجير حارة حريك الاخير، فاننا سنكون أمام فرضيتين، إما الحد من السيارات المفخخة، او الانتقال الى مرحلة يستغني فيها الانتحاري من تفخيخ السيارة الى تفخيخ نفسه ويفجر نفسه بين الجموع. واذا انتقل المُخطط الى هذا النوع من العمليات فسنكون امام مشهد جديد مختلف كليا عن ما سبقه، لان ذلك سيصعب المهمة على القوى الامنية التي ستكون أمام احتمال أن "كل من يمر امامها قد يكون انتحاريا". هنا تكون لعبة الامم قد ادخلت لبنان في نفق مظلم قد يصعب الخروج منه، وخصوصا اننا أمام ظاهرة الانتحاريين اللبنانيين، التي استطاع المُخطط من خلالها ان يزرع افكارا تحت العديد من المسميات تدفع الانتحاري لتفجير نفسه وقتل أبناء بلده، واعتبار كل من يختلف عنه عدوا له. عندما نبحث في العداوة التي زرعت، نجد أن هذه الظاهرة بدأت تنتشر في كل اوصال الوطن، حتى أنها وجدت بيئتها الحاضنة، بشكل اكير مما كان يتخيله المخطط وهو التبرير لعملياته.

استطاع المخطط أن يحول الساحة اللبنانية الى مشهد قريب من العراق، حيث يظهر ذلك جليا من خلال التعاطي الرسمي للدولة اللبنانية مع الانفجارات على أنّها حادث اعتيادي. كما وظهر ذلك بشكل أوضح من خلال التغطية الاعلامية التي حولت الشهداء الى مجرد ارقام تظهر امام المشاهد، دون أي مراعاة لمشاعره، حيث يتم تحويل الاخبار بسبب "السبق الصحفي" الى صفحة وفيات بتفاصيل لا يرغب أحد بالاطلاع عليها وخصوصا ذوي الضحايا. هذا التبسيط لهذا الاجرام دفع المخطط للتمادي في استهدافه للمدنينن اكثر فاكثر، لأنه لن يجد من يردعه طالما أنه ليس عدوا مشتركا لجميع ابناء الوطن الواحد.