لم يكن مفاجئاً إقدام تنظيم جبهة النصرة الإرهابي على تنفيذ تفجير جديد استهدف المواطنين الآمنين في الضاحية الجنوبية لبيروت بل انه كان متوقعاً على ضوء التطورات المتسارعة ميدانياً وسياسياً والتي تؤشر إلى انهيار أحلام قوى الإرهاب التكفيري وداعميهم ومموّليهم في إسقاط الدولة الوطنية المقاومة في سورية أو في تفتيت وتمزيق وحدة شعبها أو النيل من تماسك جيشها.

في التوقيت الميداني والسياسي

1ـ ميدانياً: باتت الصورة واضحة:

ـ تقدم متواصل ومستمرّ وبخطى ثابتة للجيش العربي السوري في كلّ المناطق مضيّقاً الخناق على الجماعات المسلحة.

ـ نجاح خطة القيادة السورية في تسهيل استسلام الجماعات المسلحة في العديد من مناطق ريف دمشق وتسوية أوضاعهم في سياق العفو الذي أصدره الرئيس بشار الأسد وهو ما أدى إلى عودة حي برزة في ضواحي دمشق إلى حضن الدولة وكذلك مدينة المعضمية في الريف الجنوبي الغربي ومضايا في الريف الغربي الأمر الذي اختصر ووفر الكثير من الخسائر المادية والبشرية وخلق أجواء من الانفراج وحفز المسلحين في مناطق أخرى في ريف دمشق الجنوبي على السير في المنحى نفسه ومنها بيت سحم ويلدا وببيلا ما ضيّق هامش المناورة على المسلحين في مخيم اليرموك الذين اضطروا إلى تسهيل دخول المساعدات للأهالي وخروج المرضى من المخيم.

ـ استمرار الحرب بين الجماعات الإرهابية المسلحة والتي أدت وتؤدي إلى استنزاف قواها وإضعافها وإسقاط ما كانت تدعيه من صراع طائفي أو مذهبي في سورية أو من انتمائها إلى الدين الإسلامي الحنيف وتالياً وهذا المهم سقوط ما تبقى من وهم لدى من خدعوا أو ضللوا بحقيقة هذه الجماعات.

محاربة الإرهاب مفتاح الحلّ

2ـ سياسياً: أما على الصعيد السياسي فإنّ المشهد تجلى بالآتي:

ـ توجه الوفود المدعوة إلى مؤتمر جنيف 2 للمشاركة في أعمال المؤتمر وسط أجواء تؤشر إلى تصدّر أولوية محاربة قوى الإرهاب والتطرف باعتبارها المدخل الإجباري لسلوك الحلّ السياسي السوري ـ السوري.

ـ فشل الولايات المتحدة والسعودية في حسم المعركة مع تنظيم داعش وجبهة النصرة الإرهابيّين عبر توحيد ودعم الجماعات الإرهابية المسلحة الأخرى في إطار الجبهة الإسلامية بهدف تبديل أولويات مؤتمر جنيف والسعي إلى فرضها قوة مسلحة معتدلة والعمل على وقف إطلاق النار تمهيداً لتكريس معادلة على الأرض تمكنهما من فرض شروطهما السياسية لحلّ الأزمة بما يحقق لهما خرقاً بفرض حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة بعيداً عن الاحتكام لإرادة وقرار الشعب العربي السوري.

ـ حدوث انفراج في الأزمة الحكومية اللبنانية بعد زوال الفيتو السعودي على تشكيل حكومة وفاقية جامعة وموافقة تيار المستقبل على المشاركة في حكومة وحدة وطنية وبدء المفاوضات لتشكيلها وتالياً تراجع مناخ الاستقطاب السياسي الحاد ما يؤذن بانتهاء الظروف التي كانت تجعل لبنان منكشفاً سياسياً وأمنياً أمام الجماعات الإرهابية المسلحة لمواصلة العبث بأمنه واستقراره واستخدامه ساحة لتغذية حربها ضدّ الدولة والشعب والجيش في سورية.

وبات واضحاً أنّ هذه التطورات السياسية التي تعكس التحوّل الحاصل في موازين القوى في الميدان السوري لصالح الدولة الوطنية السورية وتسليم حلف أعداء سورية بقيادة أميركا بالعجز عن إحداث تغيير في الميدان تؤشر إلى أنّ الجماعات الإرهابية المسلحة باتت مهدّدة بفقدان الغطاء الدولي والإقليمي وإقفال حدود البلدان المجاورة لسورية في وجهها.

أهداف الجماعات الإرهابية من التفجير

من هنا فإن هذه الجماعات الإرهابية سارعت إلى تفجير الوضع الأمني في الشمال والبقاع وإرسال انتحارييها مجدّداً إلى الضاحية الجنوبية في بيروت وارتكاب المزيد من الجرائم ضدّ المواطنين بغية تحقيق الأهداف التالية:

ـ محاولة إثارة الفتنة المذهبية بالقول إنّ إقدامها على التفجير الإرهابي في حارة حريك جاء رداً على تعرّض عرسال للقصف واستمرار تدخل حزب الله في سورية وكان واضحاً أنّ من قام بقصف عرسال والهرمل ورأس بعلبك.. الخ هي الجماعات الإرهابية المسلحة التي تتخذ من جرود عرسال قواعد عسكرية لها وقد أكد بيان الجيش اللبناني أنّ القصف جاء من شرق عرسال.

ـ السعي إلى تعكير أجواء الانفراج السياسي وإعادة مناخات الاستقطاب والانقسام السياسي الحادّ لإبقاء لبنان ساحة توفر لها حرية الحركة بما يحول دون إقفال الحدود اللبنانية مع سورية ومحاصرتها وسدّ ما تبقى من منافذ تهريب للسلاح والمسلحين منها وإليها.

ـ الانتقام من المقاومة وجمهورها والعمل على إرباكها واستنزافها في الداخل بعيداً عن أولوية الاستعداد لمواجهة الخطر الصهيوني المتربّص بها والطامح بالاستيلاء على ثروات لبنان من نفط ومياه وهو ما يكشف الوجه الصهيوني لهذه الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تستخدم الأسلوب الإسرائيلي نفسه في ارتكاب المجازر ضدّ المدنيين عندما تدرك أنها باتت على أبواب الهزيمة والفشل في تحقيق أهدافها.

سبل إحباط أهداف الإرهاب

إذا كان إقدام الجماعات الإرهابية من جبهة النصرة وغيرها على ارتكاب الجرائم الإرهابية ومحاولة تفجير الوضع الأمني في الشمال والبقاع يعبّر عن مدى إفلاسها وهزيمة مخططها التآمري في سورية فإنّ خطر هذه الجماعات التي تغلغلت في الداخل اللبناني مستفيدة من مناخات الانقسام وغياب الحكومة وتسهيلات بعض القوى السياسية وخطابها التحريضي المذهبي ضدّ المقاومة قائم وتتطلب مواجهته بقوة وحزم خطة متكاملة سياسية وأمنية واجتماعية وثقافية وإعلامية تركز على محاربة الجماعات الإرهابية لاستئصال وجودها في المناطق الفقيرة حيث تتوافر البيئة المواتية لانتشار التيارات الإرهابية المتطرفة التي تستغلّ ظروف البؤس والحرمان والفقر لدى الشباب لاستقطابهم وتنظيمهم ومن ثمّ استخدامهم قنابل إرهابية لتحقيق أهداف القوى الاستعمارية التابعة لها.

وإذا كان تنفيذ هذه الخطة يحتاج إلى وقت لاستئصال الإرهاب ويتطلب معالجات جذرية للوضع الاجتماعي إلا أنه بالإمكان البدء بالخطوات السياسية والأمنية والإعلامية التي إذا ما تمّ تنفيذها فإنها ستؤدي إلى الحدّ كثيراً من حرية وقدرة هذه الجماعات على تنفيذ مخططها الإرهابي التخريبي الفتنوي خصوصاً أنّ وجودها محصور في بعض المناطق بسبب عدم وجود بيئات حاضنة لها في غالبية المدن والمناطق اللبنانية التي تتميّز بالتنوّع والانفتاح وعدم الاستعداد لاحتضان مثل هذه التيارات الإرهابية.

ويستدعي ذلك سدّ كلّ الثغرات التي تستفيد منها القوى الإرهابية وفي مقدمها:

1 ـ وضع حدّ للانقسام السياسي على مستوى السلطة السياسية في البلاد عبر الإسراع بتشكيل الحكومة الوفاقية الجامعة.

2 ـ رفع الغطاء الكامل عن الجماعات المسلحة التي تعبث بأمن اللبنانيين في الشمال وبعض مناطق البقاع وعدم تبرير ارتكاباتها والامتناع عن الخطاب التحريضي المذهبي الذي يصبّ في خدمة مخططها التفجيري.

3 ـ توفير الغطاء السياسي الكامل من الدولة والقوى السياسية للجيش اللبناني والقوى الأمنية لمحاصرة وضرب الوجود المسلح لهذه الجماعات الإرهابية واعتقال خلاياها النائمة المحضرة لتنفيذ جرائم التفجير.

4 ـ إلزام وسائل الإعلام كافة بخطاب وطني غير طائفي أو مذهبي وحظر أي تغطية إعلامية تخدم قوى الإرهاب.

إذا طبّقت هذه الخطوات فإنه بالإمكان القول إننا سلكنا الطريق الفعلي والحقيقي لمكافحة خطر هذه الجماعات الإرهابية.

وإذا ما تطلّب الأمر تكرار السيناريو الذي أتبع مع فتح الإسلام في بعض المناطق فسيكون بإلإمكان تحقيق ذلك استناداً إلى توحد جهود جميع اللبنانيين دولة وشعباً وقوى سياسية خلف الجيش للقضاء على مرتكزات وقواعد القوى الإرهابية التي تنطلق منها لتنفيذ جرائمها والتسلل أيضاً إلى الداخل السوري.