تكاد تكون العناوين هي نفسها هذه الأيام في لبنان، فالأجواء الضبابية التي أطاحت بالأجواء التفاؤلية في ملف تأليف الحكومة لا تزال هي هي، والمماطلة الحاصلة في بتّ مصير المطالب هنا وهناك لم تعد تُحتمَل، بل بدأت تطرح تساؤلاتٍ عمّا ينتظره الأفرقاء عمليًا ليتحرّكوا..

هكذا، بقيت الأمور تدور في حلقة مفرغة خلال الساعات الماضية. رئيس الحكومة المكلف مصرّ على المداورة الشاملة دون أيّ نقاش، ورئيس تكتل التغيير والإصلاح يصرّ على أنّها استهدافٌ سياسي واضح بل فاضح لفريقه السياسي ويطالب باستثناء حقيبة الطاقة منها، وبينهما وُسطاء يتحرّكون ويقترحون "مخارج" لم ترقَ حتى الساعة، أقله بحسب المعلومات المتوافرة، لمستوى "الحلول العملية"..

وإذا كانت ورقة "الحكومة الحيادية" عادت ليتقاذفها بعض "المتحمّسين" لها ويلوّح بها آخرون بوصفها "سلاح ضغط فتاكًا"، فإنّ جرس الإنذار بدأ يُقرَع بقوة، خصوصًا أنّ المهل لا يمكن أن تبقى مفتوحة إلى أبد الآبدين، وخصوصًا أنّ الاستحقاقات الداهمة التي تنتظر اللبنانيين بدأت تلوح في الأفق، وفي مقدّمها الانتخابات الرئاسية التي لفت على خطها موقفٌ للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي جزم فيه أنّها حاصلة لا محالة..

بين عون وسلام..

لا تبدو الأمور على ما يُرام بين رئيس الحكومة المكلف تمام سلام ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، ولعلّ البيان المقتضب لكن شديد اللهجة الذي خرج به الأخير بعيد الاجتماع الأسبوعي لتكتله خير دليلٍ على ذلك.

هكذا، وفي بيانٍ قال البعض أنّه أتى أكثر لطفًا ولينًا ممّا كان مُعَدًّا بنتيجة اتصالات الساعات الأخيرة، دعا عون سلام إلى الاعتذار مع حرصه على عدم تسميته بتاتًا، حيث قال أن "ذروة المخالفات التي يهدّد بها المسؤول الشعب اللبناني هي تأليف حكومة أمر واقع، لأنه يجهل أن الفشل في تأليف الحكومة بعد عشرة أشهر، قضاها من دون أي جهد لحل الأزمة ينهي التكليف ويوجب الاعتذار". لكنّه عاد ووجّه اتهامًا صريحًا له بأنه "يعبث بتأليف الحكومة وبالمعايير والضوابط التي تؤمّن صحة مسار التأليف"، معتبرًا في الوقت عينه أنّ "أيّ حكومة تؤلّف خارج الأطر الدستورية والقانونية هي حكومة فاقدة للشرعية".

وفي وقتٍ ذكرت صحيفة "النهار" أنّ رئيس الحكومة المكلف سيلتقي اليوم الرئيس ​ميشال سليمان​ في قصر بعبدا، وسيحمل مسودة حكومة أو مسودتين للتشاور فيهما، قبل اتخاذ قرار نهائي اليوم او غدا الخميس، لفت موقفٌ للرئيس سليمان كشف فيه أنه "ابتداءً من الاربعاء أو الخميس يجب ان نباشر بوضع آلية التشكيل من اسماء وحقائب".

وإذا كان سليمان أكد أنّ العمل يتمّ على "خطي" الحكومة السياسية الجامعة والحيادية معًا، فإنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري عاد للتحذير من اللجوء لورقة الحكومة الحيادية، مشدّدًا على أنّ الحكومة السياسية الجامعة هي نصف الطريق الى الانتخابات الرئاسية، "لأنها تضمّ الجميع، وفي إمكانهم ان يتحاوروا". لافتًا إلى أنّ "من يريد الانتخابات الرئاسية عليه ان يسعى الى الحكومة السياسية الجامعة".

مناورة في الضاحية؟

وبعيدًا عن الموضوع الحكومي، بقي الملف الأمني الهاجس الأساسي للبنانيين، وهو ما تجلى خصوصًا مع حالة الذعر التي تسبّب بها انفجار إطار شاحنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي ترافق على وجه السرعة مع شائعاتٍ عن انفجار جديد استهدف المنطقة في سياق العمليات الإرهابية التي تستهدفها منذ فترة.

وعلى صعيدٍ متصل، لفت ما ذكرته صحيفة "النهار" عن أنّ "حزب الله" رفع جهوزيته الى الحد الاقصى في الايام الاخيرة وأجرى مناورات عدة غداة الاعلان عن كشف مخطط للقيام بهجوم وتفجيرات عدة متزامنة تستهدف الضاحية. وبحسب الصحيفة، فقد نفذ الحزب في الضاحية مناورة دفاع قبل يومين أو ثلاثة، هدفت الى التدرب على إقفال المحال التجارية وإخلاء الشوارع خلال عشر دقائق، ومنع حصول أي تجمعات. ودعا المسؤولون عن المناورة المقيمين في الضاحية للجوء الى الطبقات العليا من البنايات، واخلاء الطبقات الأرضية تماماً لإعطاء مقاتلي الحزب حرية الحركة لاي قتال مباشر في مواجهة مسلحين تكفيريين قد يدخلون الشوارع قبل أن ينفذوا عمليات انتحارية. وذكرت الصحيفة نفسها أنه تجري محاولات لحصر مداخل الضاحية بعشرة فقط لمراقبة السيارات والمارة. وعمد نواب الحزب في بيروت والمناطق الى إزالة كل اللوحات الزرقاء أو أي اشارات أخرى تدل عليهم.

كلمة أخيرة..

ما الذي ينتظره السياسيون للتوصلّ لحلّ ما للأزمة الحكومية وبثّ الطمأنينة في النفوس؟ هل هو ضوءٌ أخضر خارجي لم يأتِ كاملاً بعد أم أنّ الأمور فعلاً متوقفة على تفاصيل داخلية تتعلق بحقيبة هنا أو هناك لا أكثر؟ وهل وضع البلاد يسمح بالمزيد من المراوحة والمماطلة على هذا الصعيد؟ والأخطر من كلّ ذلك، هل المطلوب أن يحصل تدهور أمني جديد قد تكون عواقبه وخيمة ليستفيق المسؤولون ويتنازلوا بعض الشيء؟

أسئلة مشروعة وأكثر!