حجزت اللقاءات التي عقدها التيار الوطني الحر مع سائر القوى مركزاً لها في اليوميات السياسية، إلا أن وهجها خفت أمام التطورات الإقليمية والمحلية. أسهمت في لقاء النائبين ميشال عون وسعد الحريري، إلا أنها لم تُثمر لمصلحة التيار في الموضوع الحكومي

لم يكن سهلاً أن يلتقي النائبان ميشال عون وسعد الحريري في روما منذ نحو أسبوعين، وهما اللذان يفرّق بينهما «إبراء مستحيل». كذلك سيكون جمهورا التيارين، اللذين «تربّيا» على الأحقاد وتبادل الاتهامات، في حيرةٍ من أمرهما لو أتت مصافحة زعيميهما من دون تمهيد أو تبرير. لذلك، بدأ الإعداد للقاء «القطبين» من خلال اللقاءات العونية مع مختلف الأطراف، التي «مهدت لهذا التقارب، إضافة إلى تهيئة الرأي العام ليتعود فكرة محاورتنا الطرف الآخر»، استناداً إلى أحد النواب العونيين.

وكانت هذه اللقاءات عقدت بين التيار وكل من: الحزب الاشتراكي، الكتائب، تيار المستقبل وحركة أمل، فيما رفضت القوات اللبنانية المشاركة في هذه «التمثيلية»، وهي جاءت على خلفية «المبادرة التي صدرت عن خلوة دير القلعة بهدف إخراج لبنان من ثلاجة الانتظار». الموجة التي شغلت أمين سر تكتل التغيير والإصلاح إبراهيم كنعان فترة لا يُستهان بها انحسرت تدريجاً. يستعيد كنعان الخلوة العونية التي «كرّست استراتيجية جديدة للعمل ذُكرت بالتوصيات: فصل الأولويات الوطنية عن التجاذبات السياسية». المقررات هي التي «أسهمت في فتح الباب أمام الاتصالات مع القوى. من هنا انطلق قطار التواصل مع المستقبل وغيره». يرفض كنعان فكرة أن اللقاءات لم تُثمر شيئاً؛ «فنحن استبقنا ما يجري اليوم». ويؤكد أن «الهدف منها لم يكن التسلية كما صوّرها البعض، ولا فولكلوراً سياسياً». الهدف كان «دق جرس الإنذار»، وبعث رسالة مفادها أنه رغم الخلافات التي تتحكم بالعلاقات السياسية، التحاور يبقى الحل، «وقد أتت الأحداث لتؤكد هواجسنا». إضافة إلى ذلك، كان الهدف أيضاً إثبات أن في إمكان التيار محاورة معظم القوى السياسية، وأن مواقفه ليست «غبّ الطلب»؛ إذ «اكتشفنا أننا مختلفون مع فريقي 8 و14 آذار».

في رأي كنعان «لولا هذه الحوارات لغرق لبنان»، و«بفضلها خفّفنا الاحتقان في الشارع، وساد الهدوء على مستوى العلاقة بين المسيحيين وبقية الأطراف». يشير، غامزاً من قناة مسيحيي الرابع عشر من آذار، إلى أن «طرفاً واحداً لا يزال يعتمد لغة التصعيد. إلا أن المهم هو غياب التعبئة وإزالة فتيل الانفجار». «الإنجاز» الثاني للقاءات هو «كسر المحرّم بأن يجرؤ طرف سياسي على المبادرة ويدعو إلى الحوار بمعزل عن المحور الذي وضعنا فيه».

ويشدد كنعان على انه «من خلال حركتنا تمايزنا عن فريقنا وكنا فوق التجاذبات»، وأتت النتيجة «مبادرة لبنانية للحفاظ على المؤسسات من دون أن تمهد في المقابل لأي تحالف ثنائي جديد». ويتابع: «صحيح أنه لم تُسجل أي ترجمة عملية للقاءات، ولكن إذا لم تحصل الترجمة اليوم فلا يعني ذلك أنها لن تحصل غداً». لم يرفع البرتقاليون راياتهم البيضاء بعد، «فاللقاءات لم تتوقف، ولكن هناك تطورات فرضت علينا التراجع قليلاً». يستكمل العونيون لقاءاتهم واجتماعاتهم «خارج الإعلام وعلى مستوى الأفراد». شريط الحوارات قصّه العونيون، فتحوا الباب داعين البقية إلى ملاقاتهم في الوسط، إلا أن التجاوب لم يتعدّ غرف الاجتماعات. يأسف كنعان «لأن التجاوب لم يكن على القدر المطلوب»، ولكن «على الأقل نحن حاولنا». هم حاولوا، صحيح، إلا أنهم، رغم انفتاحهم على الجميع، «محاصرون» في الملف الحكومي، وخصوصاً أن مطالبهم لا تلبى. يرد كنعان بأن «الهدف ليس تأليف حكومة شهرين، فما نقوم به هو مسار مرحلي». لم يعد وضع المسيحيين «مشابهاً لما كان عليه في التسعينيات، لذلك لا يظن أحد أنّ من السهل تأليف حكومة من دوننا». ليس الهدف استبدال حكومة تصريف أعمال «بنصف حكومة غير حاصلة على الثقة». ينفي كنعان أن انفتاح التيار على الجميع لم يربّحه «فكل لبنان اليوم ناطر الرابية».