تحاربا في الحقبة الأخيرة من الحرب الأهلية. كل طرف أراد إلغاء الآخر عسكرياً، أو على الأقل إنهاكه. بعد اتفاق الطائف نفي أحدهما وسجن الآخر. بعد الخروج السوري من لبنان عادا إلى الساحة السياسية ليتحول جعجع إلى أهم حليف لعون

منذ عام 2005 وحتى اليوم، يبدو أن الحليف الاستراتيجي الأهم لرئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، هو رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. بات «العماد» يُدرك جيداً أنه سيقطف ثمار كلمات خصمه. آخر العنقود هو موقف جعجع من تشكيل حكومة الرئيس المكلف تمّام سلام.

بعد أن كان لفترة طويلة «رجل سلطة الأمر الواقع»، أتى اتفاق الطائف ليفسح المجال أمام جعجع ليصبح رجل المرحلة، «ولكنه لم يعرف كيف يستفيد من الوضع»، استناداً إلى عونيين. خرج المتحاربان عون وجعجع خاسرين من الحرب الأهلية. أُقصيا خارج المعادلة الوطنية، حتى انتهاء الوجود السوري، ومن حينه بدأت مرحلة استفادة عون من حضور جعجع على الساحة السياسية. الانتخابات النيابية في عام 2005 كرّست عون ممثلاً شرعياً للمسيحيين بعد أن حصد قرابة سبعين في المئة من أصوات هذه الطائفة. أحد أسباب الفوز الكاسح، انتخاب كل المتضررين من جعجع، عون نكايةً بقائد القوات. شكل الأخير مادة دسمة لوسائل إعلام التيار؛ فكلما أراد العونيون إضعاف جعجع يفتحون له ملفاً من ملفات الحرب. تحولوا من تيار مدني إلى «حامي القضية المسيحية»، مسقطين على «ابن بشري» صفة «الخائن»، وخصوصاً في موضوع القانون الأرثوذكسي. يومها قيل إن جعجع «خرج عن التوافق المسيحي». استغلت البروباغندا العونية هذا الملف لترميه بالأحجار، مقيمة عليه معركتها الانتخابية، قبل أن تؤجل. السيناريو ذاته يتكرر في الملف الحكومي. تفرج عون على جميع القوى السياسية، وهي تفاوض على شكل الحكومة المنوي تأليفها. ظل ساكتاً، رافضاً هو ونوابه التعليق على الموضوع؛ «فأحداً لم يستشرنا بشكل جدي». بيد أن جعجع كان مقداماً في اشتراط انسحاب حزب الله من سوريا كي يُشاركه الحكومة. كانت لافتةً «مبدئية» الحكيم وإصراره على عدم التنازل، فارتفعت شعبيته. هذا الموقف، حسب المصادر، «شجع الجنرال على الإصرار على مطالبه؛ فهو أدرك أن حكومة تستثني المسيحيين لن تكون ميثاقية». عون ارتاح نفسياً، فنجح في أن يحول الأنظار من معراب التي «ظهرت وكأنها تعادي فريقاً سياسياً» إلى الرابية التي «أشعرت الجميع بأنها لا تريد إلا مصلحة المسيحيين»، عبر إدانة أي اتفاق يقصيهم. عملياً، يتبين أن «جعجع يشق الطريق، فيما عون يستفيد بالصدفة من هفوات القوات ليطلق معركته». يعلق المصدر بقوله: «ما في شي عم يزبط مع الحكيم».

لا يكتفي جعجع بوضع العناوين العريضة لمعارك عون وإنجازاته «المسيحية»، فحتى على مستوى العلاقة مع الحلفاء دائماً ما يخرج عون «منتصراً». في عام 2008 كانت أولى انتكاسات جعجع بسبب مواقف حلفائه. كان من الصعب في تلك السنة أن يجتمع اثنان ولا تكون زيارة عون لسوريا ثالثهما. ظن جعجع أنه حاصره في «بيت اليك». فرحته عكّرتها استضافة الرئيس سعد الحريري في العاصمة دمشق. الضربة الثانية التي تلقاها جعجع من تيار المستقبل كانت في الانتخابات النيابية عام 2009. حاربت القوات على جبهتين: فرض مرشح لها عن عكار ومنطقة بيروت الثالثة. المعركة الشرسة «لم تليّن موقف المستقبل الذي رفض التنازل عن أي من المقعدين، وهو ما لم يحصل مثلاً مع عون في جزين، مفضلاً خوض المعركة بوجه حليفه، على التنازل». أتت الحكومة في العام نفسه لتؤكد «استخفاف حلفاء القوات بها»، كما تقول مصادر التيار. فرجال الأرزة لم ينالوا إلا الحقائب الثانوية، كالسياحة.

الامتحان الثالث الذي فشلت فيه القوات كان عجزها عن إقناع فريقها السياسي بالسير باتفاق القانون الأرثوذكسي، «في حين أن عون نقل حلفاءه إلى الموقع الذي يريده، محافظاً على الشرعية يوم رفض التمديد للمجلس النيابي معاكساً رغبة فريقه، الأمر الذي لم تستطع القوات القيام به».

صحيح أن جعجع، حتى الساعة، لن يرضى المشاركة بحكومة مع حزب الله وفق المعطيات الحالية، إلا أن تيار المستقبل سائر بأي اتفاق على حكومة جامعة. في الناحية الأخرى، يظهر حزب الله «ولو شكلياً أنه لن يترك عون وحيداً، حتى ولو اقتضى ذلك عدم مشاركته في الحكومة». بات جعجع «في الإطار الاستراتيجي يشكل مأزقاً على المسيحيين، لا ينفك يخذلهم في محطات كثيرة»، بحسب العونيين.

للقوات رأي آخر. مصادرها ترفض الدخول في سجالات مع التيار الوطني الحر. لم تكن يوماً مرتاحة على وضعها كما هي اليوم؛ «فنحن، استناداً إلى إحصاءات جديدة، الوحيدون الموجودون سياسياً، سجلنا أعلى مستوى لنا منذ الـ2005». يقول المصدر إن القوات تُعنى «بالمبادئ العامة والمواقف الواضحة، بينما عون متخصص بالاتجار بحقوق المسيحيين». يرفض نظرية أن «وزارة الطاقة هي استراتيجية تضمن حقوق الطائفة، وإذا كان هناك من يصدق هذه الأكاذيب فليقترع لمصلحة التيار في الانتخابات المقبلة». في ما خص العلاقة مع الحلفاء، يلخصها المصدر بأن «الغطاء المسيحي الذي يوفره عون لحزب الله يرتب عليه ثمناً يدفعه، الأمر الذي نحن براء منه».