هل دقّت ساعة "الأمر الواقع" أخيرًا، ولم يعد هناك خيارٌ آخر قد يتجاوزه؟

يبدو هذا السؤال مشروعًا في ضوء الجدّية التي اتخذتها صفة "الأمر الواقع" خلال الساعات القليلة الماضية، والتي أوحت بتحوّلها من مجرّد "ورقة ضغط" كان يلوّح بها الأفرقاء المعنيّون عند كلّ استحقاق للحصول على بعض "التنازلات" أو "المكاسب" إلى "ضوء أخضر" عملي لا يتوانى عن تحديد مواعيد ولادة "قيصرية" و"مصطنعة"..

وعلى الرغم من أنّ مفاوضات "ربع الساعة الأخيرة"، والتي لا تزال ناشطة لغاية كتابة هذه السطور، فإنّ كلّ التقديرات ترجّح أنّ حكومة من هذا النوع ستولَد "ميتة"، وأنّها لن تليق بعشرة أشهرٍ طويلةٍ من المفاوضات والاستشارات، وأنّها لن تؤدّي سوى لجرّ البلاد لأزمةٍ جديدةٍ قد لا تكون عمليًا سوى "المجهول" الذي يخشى منه الكثيرون..

كلّ السيناريوهات واردة..

بدأ "الجدّ" إذًا، وهو ما أوحى به خصوصًا اللقاء المسائي الذي جمع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال سليمان​ ورئيس الحكومة المكلف ​تمام سلام​ الذي خُصّص للبحث بتأليف الحكومة، والذي دقّت معه قلوب الكثيرين خشية أن تكون ساعة إعلان الحكومة قد دقّت فعلاً. لكن، وقبل أن ينتهي اللقاء، كانت مصادر سلام تنفي لـ"النشرة" وجود أيّ نيّة لإعلان الحكومة أو للاعتذار عن الاستمرار في المهمّة، واضعة اللقاء في إطار "العمل على إصدار التشكيلة".

وفي حين أكدت المصادر "أننا في طور وضع اللمسات الأخيرة على تشكيل الحكومة"، تاركة الباب مفتوحًا أمام إمكانية إعلان الحكومة خلال الساعات المقبلة، تتحدّث المصادر السياسية عن أنّ مرسوم التأليف بات جاهزًا، ويبقى توقيت إعلانه بين الساعات المقبلة ومطلع الأسبوع كحد أقصى، بناءً على مشاورات الساعات الأخيرة، على الرغم من أنّ "المبادرة" التي قيل أنّ رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط أطلقها في الساعات الأخيرة فشلت بدورها، بحسب ما ذكرت المصادر.

وفي وقتٍ لفت كلامٌ لرئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال لقاء الأربعاء النيابي الأسبوعي شدّد فيه على ضرورة عدم التسرّع في التأليف، مشيرًا إلى أنّه يترقب وينتظر ما يجري في شأن تشكيل الحكومة، وانالميثاقية عنده معيار اساسي للحكم على مجريات الامور، أكدت مصادر نيابية كانت حاضرة في اللقاء لـ"النشرة" أنّ "موقف 8 آذار من الحكومة سيكون موحّدًا".

في غضون ذلك، نقلت صحيفة "الأخبار" عن زوار رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قولهم أنّ الأخير "مستعدّ لتوقيع مرسوم تأليف الحكومة حين يحمل رئيس الحكومة المكلف تمام سلام التشكيلة كاملة إليه"، في حين أكدت مصادر واسعة الاطلاع لصحيفة "الجمهورية" أنّ حكومة "بمن صمد" يمكن أن تولد اليوم بفعل إصرار سلام على إتمام المهمة التي كُلّف بها"وشو ما بدّو يصير يصير".

وثيقة وطنية من بكركي..

ووسط هذه الزحمة الحكومية، اتّجهت الأنظار إلى بكركي حيث تمّ إطلاق وثيقة وطنية بالغة الرمزية والدلالات، وذلك بعد اجتماع مجلس المطارنة الموارنة الشهري وتلاها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وجاء فيها أنّانتخاب رئيس الجمهورية شرط أساسي لا حضور للدولة من دونهكما أنه ضرورة للبنان كي يظهر أننا بلد يحترم ديموقراطيته وتداول السلطة.

وفيما نبّهت الوثيقة الى ان الوضع الراهن بلغ مرحلة الازمة المصيرية والكنيسة المارونية لا يمكنها ان تقف موقف المتفرج مما يهدد مستقبل لبنان، وحذرت المسؤولين من استمرار التفرد والتعنت والطمع في السلطة، لأن ذلك سيأخذ لبنان نحو الهاوية، ودعت الى تطبيق المناصفة الفعلية في الحكم والادارة وضبط التدخل السياسي الزبائني في الادارة، واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والنظر في ما يجب إيضاحه وتطويره بما في ذلك صلاحيات رئيس الجمهورية لسد الثغرات.

وتبنّت هذه الوثيقة منطق "الحياد"، مشدّدة على ضرورة العمل على تحييد لبنان عن صراعات المحاور، لافتة إلى أنّ الحياد هو انجع الطرق للحفاظ على التعددية في البلدان المركبة، كما دعت إلى وضع قانون انتخابي جديد وفق الميثاقية يترجم المشاركة الفاعلة في تأمين المناصفة والاختيار الحر والتنافس ويلغي فرض نواب بقوة التكتلات المذهبية.

وفي وقتٍ سارع السياسيون إلى الترحيب بمضمون الوثيقة الكنسية الجديدة، تبقى تساؤلاتٌ جدية عمّا إذا كان هذا الترحيب سيُترجَم عمليًا، خصوصًا في ظلّ الهواجس المشروعة التي عبّرت عنها البطريركية المارونية، والتي لا يجوز المرور عليها مرور الكرام، وكأنّها لم تكن.

كلمة أخيرة..

ربما يفعلها إذًا رئيس الحكومة المكلف ويؤلف حكومة "بمن صمد" بعد عشرة أشهرٍ على تكليفه..

كلّ شيءٍ يوحي أنّ الرجل لن يعتذر، وهو الطامح للقب "دولة الرئيس"، وأنه يسعى ليل نهار لإنتاج تشكيلةٍ "تُرضي" الجميع، ولكنه يصطدم بـ"حائط مسدود" في كلّ مرة، ولذلك فإنه حسم أمره وأخذ قراره، قرارٌ يُخشى أن يكلّف البلاد الكثير الكثير..