بات السؤال المطروح بعد عرقلة تأليف الحكومة غير الجامعة، هل كان "حزب الله" يريد منذ البداية الوصول الى هذه الحكومة، أم أنّها مجرّد مناورة لتعطيل حكومة الرئيسين ميشال سليمان وتمام سلام التي كادت تبصر النور؟

في بدايات السعي الى حلحلة عقد تأليف الحكومة، أعطى "حزب الله" الى رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط ورقة التراجع عن "الثلث المعطل"، ثم أعطاهما اتفاقاً على المداورة في الحقائب، وبدا أنّ الحزب كلّف برّي تحديداً الوصول الى تأليف الحكومة وفقاً لهذه القواعد.

ولم يكن الرئيس فؤاد السنيورة بعيداً عن الأجواء، وهو الذي أيَّد منذ البداية الاتفاق على "حكومة ربط نزاع"، بعد تراجع "حزب الله" عن شروطه التعجيزية. وبالتالي كيف انقلب الحزب على هذا الاتفاق؟ وهل صحيح أنه لم يستطع إقناع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون بالتخلي عن وزارة الطاقة؟ أم أنّه فضل تأجيل تأليف الحكومة لحسابات لا تعلمها إلّا إيران؟

الواضح حسب المتابعين، أنّ الحزب مشتبك مع عون في قضايا تتجاوز وزارة الطاقة. فالحسابات الرئاسية للجنرال لا تنطبق على بيدر الحلفاء في "8 آذار"، وهذه الحسابات التي تُرجمت تغييباً لأيّ موقف جدّي من ترشيح عون، انفجرت في ملف الحكومة، كونه الملف الأهم الذي يسبق الاستحقاق الرئاسي، ويُمهّد له. فعون إن شارك في الحكومة ضعيفاً، أو إن تراجع، سيكون لقمة سائغة على طبق التسويات الرئاسية. وتبدو المواجهة الحكومية، مقدّمة لمعركة الرئاسة، التي لن يقبل فيها عون من حلفائه، اللون الرمادي، وهذا ما يعرفه "حزب الله" جيداً.

وكما يبدو فإنّ عون يخوض من خلال هذه المواجهة معركة "الفرصة الرئاسية" الأخيرة، التي من أجلها يمكن أن يلجأ الى الحدّ الأقصى غير المتوقع، وتحديداً في العلاقة مع الحزب. ويقول المتابعون إنّ الحزب يدرك أنّ لا شيء يردع عون عندما يتعلق الأمر بانتخابات الرئاسة، والدليل على ذلك سعيه الى ترتيب العلاقة مع الرئيس سعد الحريري، ومع المملكة العربية السعودية، في رحلة عودة معاكسة الى لحظة العام 2005، علَّ ذلك ينجح في إيصاله الى قصر بعبدا، على حصان إتفاق ثلاثي بين ممثلي السنّة والشيعة والمسيحيين، وعلى منصة تفاهم اقليمي سعودي - ايراني، مدعومة دولياً.

هذه الدينامية التي يأمل عون في إطلاقها لتعزيز فرصه الرئاسية، وصلت الى حدّ الايحاء للحريري، بأنه يعمل لإحباط مهمة الرئيس المكلف لكي يستقيل، ثم تصبح الطريق معبدة أمام تسمية الحريري نفسه إذا أراد، أو مَن يُسميه هو، سواء السنيورة أو النائب بهية الحريري، لتأليف حكومة جامعة، بإشراك تيار "المستقبل" والتيار العوني والثنائي الشيعي.

يبقى السؤال، هو، هل سينجح عون في تعطيل تأليف الحكومة الى ما لا نهاية، في حال لم يستطع نيل حقيبة الطاقة، وما هي نتائج ذلك؟

لا يزال أكثر من طرف داخل "14 آذار" يعتقد أنّ "حزب الله" يريد تأليف حكومة، لحاجته الماسة الى تهدئة الاحتقان المذهبي، وهذا ما سيقود الى ولادة الحكومة التي أصبحت مطلباً اقليمياً ودولياً. ومن الآن وحتى بعد غد الاثنين موعد المهلة الجديدة لهذه الولادة، فإنّ نقاشاً يدور داخل قوى "8 آذار" حول الجدوى من الاستمرار في تعطيل فرصة التأليف، التي إذا ما تم إحباطها فإنّ ذلك سيعني، بدء العد العكسي للفراغ الرئاسي، وللتمديد الثاني المتوقع للانتخابات النيابية، وهو ما سيُملي حتماً، اضطرار الجميع للجلوس الى طاولة إعادة البحث في أسس الصيغة والنظام وربما الكيان.