أربعون يوماً على الإغتيال الوحشي للوزير السابق محمد شطح ولا يزال حاضراً حتى في الحدث السياسي اليومي. العاطفة موضوع آخر، من عرفوه وصادقوه لم يترك لهم مجالاً غير أن يحبوه ويعجبوا بوطنيته، بنبل أخلاقه وشخصيته وذكائه.

يعطي سياسي بارز من تيار شطح في سياق عرض للأوضاع لمحة عن ظروف أدت إلى بث الآمال في ولادة حكومة الرئيس تمام سلام قبل أن يتبين أنها آمال جهيضة، ظروف تقاطعت فوق الوزير السابق، الديبلوماسي الدمث والودود. يشير السياسي إلى الورقة التي كتبها شطح إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني ونُشرت في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية بعد يومين من الجريمة. في مجالسه الخاصة والعلنية كان شطح يقول إن الدعم الإيراني لـ"حزب الله" هو تدخل في الشأن الداخلي اللبناني يرقى إلى مستوى الإعتداء على السيادة اللبنانية، كما يدمر العلاقات بين الطوائف والمكوّنات التي تشكل شعب لبنان.

كتب شطح ما يشبه ذلك في ورقته إلى روحاني في حقبة كانت تشبه تجاذباً شديداً بين تياره الذي يوصف بأنه معتدل، وبين تيار "الحرس الثوري" المتشدد، مع وجوب وضع صفتي المعتدل والمتشدد بين مزدوجين لانضواء الجانبين تحت راية مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي. كان روحاني ومن معه يراهنون على نجاح العملية الإنفتاحية على الغرب والمجتمع الدولي وكذلك على العالم العربي، دول الخليج خصوصاً. يهمهم جيداً تهدئة الصراع الشيعي- السني الدائر بضراوة في المنطقة، بدموية في بعض البلدان كسوريا والعراق، وعلى حافة الدم كما في لبنان.

تلاقت بين هلالين هذه المصلحة الإيرانية العليا ومصلحة محلية آنية لـ "حزب الله"- لبنان في ان تجمعه حكومة مع "ولي الدم" الرئيس سعد الحريري وتياره "المستقبل" خصوصاً، قبل افتتاح جلسات المحاكمة في قضية اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري. كان المقصود توفير جاهز لمن يسأل الحزب عن الإتهامات ، أنها ليست بذات أهمية والرئيس الحريري بتياره الذي يمثل غالبية سُنة لبنان ها هو معنا في حكومة واحدة. فوّت عليهم الحريري الإبن الفرصة هذه من غير أن يدع الطابة في ملعبه بعدما أعلن الحزب تراجعه عن معادلة كاد أمينه العام السيد حسن نصرالله يرفعها إلى مرتبة القداسة، على غرار المتهمين بقتل الرئيس رفيق الحريري. صرنا في 8-8-8 بدل 9-6-9.

تجدد الأمل في رؤية حكومة برئاسة سلام، ولكن التجاذب بين اعتدال وتشدد في إيران حُسِمَ وفق معادلة جديدة بعد إخراج طهران من مفاوضات جنيف- 2 لحل الأزمة السورية ورفض دول الخليج ولا سيما السعودية التجاوب مع رسائل التودد التي أرسلها روحاني إليها. جديرة بالذكر هنا واقعة أن وزير خارجيته محمد جواد ظريف عندما أبدى رغبة في زيارة المملكة أراد أن يلتقي الملك ولم يكن ذلك ممكنا. في النهاية أفضى الأمر إلى اتفاق على تقاسم للمسؤوليات يتولى بموجبه التيار "المعتدل" قضايا تحسين الإقتصاد ومستوى المعيشة في إيران، بينما يهتم تيار "التشدد" بالسياسة والقضايا الخارجية. يُفسر ذلك أنهار دم سالت بزخم متجدد لاحقاً في سوريا والعراق، وتراجع "حزب الله" اللبناني عن التفاهم على معايير تأليف الحكومة الجديدة. اعتبر على الأرجح، والرأي للسياسي المتكلم، أنه نال غايته من مشاركة "المستقبل" وقوى 14 آذار في حكومة واحدة من دون أن تشارك. مرّ موعد افتتاح جلسات المحكمة الدولية أهدأ ما يكون. أما الوزير السابق محمد شطح فكان يتوجب إزاحته لأنه زوّد فريقاً في إيران مستنداً كان في إمكان هذا الفريق استخدامه أمام المرشد في ذروة الصراع على القرار. اغتياله أيضاً مرّ بأهدأ ما يكون. انتقل شطح بكل تواضع إلى ضفة الشهداء وقلوب من أحبوه.